الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العراق بين عهدين.. مائة عامٍ على صدور الدستور العراقي-مقاربة (1-2)

بواسطة azzaman

العراق بين عهدين.. مائة عامٍ على صدور الدستور العراقي-مقاربة (1-2)

حسن الياسري

 

   بمناسبة مرور مائة عامٍ على صدور دستور العراق -القانون الأساسي-في سنة 1925،وبالنظر للأهمية القصوى التي يحظى بها هذا الدستور بوصفه المؤسِّس للحياة الدستورية في العراق الحديث، وبالنظر لغياب المشهد الدستوري الديمقراطي عن العراق طيلة المدة الممتدة بين إسقاط هذا الدستور في سنة 1958 ولغاية صدور الدستور الأخير في سنة 2005 الذي أعاد الحياة الدستورية الديمقراطية للبلاد؛ فإنه يكون من المحبَّذ أن نسلط الضوء على هذين الدستورين الديمقراطيين بعد مرور قرنٍ من الزمان على بدء الحياة الدستورية في العراق الحديث.   لقد مثَّل الدستور في العراق عبر مرحلتيه التأريخيتين الرئيستين الإطار القانوني والأساس لنظام الحكم وطبيعة العلاقة بين الدولة والمواطن.فقد مثَّل القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 أول وثيقةٍ دستوريةٍ حديثة في الدولة العراقية، وقد وضع في ظل ظروفٍ سياسيةٍ وتأريخيةٍ مغايرةٍ تمامًا لتلك التي أحاطت بدستور سنة 2005، الذي جاء بعد سقوط الدكتاتورية في 2003.من هنا سنعمد إلى إجراء مقارنةٍ تحليليةٍ موجزةٍ بين الوثيقتين الدستوريتين من خلال التركيز على محاور خمسةٍ رئيسةٍ هي: شكل الحكم وتوزيع الاختصاصات،إرساء دعائم الدولة،نظام الإدارة والفدرالية،الحقوق والحريات،استقلالية القضاء.ولعلَّ من المفيد أن نبدأ ببيان النقاط المشتركة بين الدستورين قبل الشروع في تلك المحاور.

نقاط مشتركة

النقاط المشتركة بين الدستورين :

1-كلاهما دستورٌ يرسِّخ الديمقراطية،وما عداهما من دساتير صدرت في المدة الممتدة بينهما من دساتير مؤقتةٍ كانت كلها ترسيخاً للدكتاتورية وحكم الفرد وهتكاً لحقوق المواطن وحرياته.

2-كلاهما صادران عن سلطةٍ شرعيةٍ،وما عداهما كانت صادرةً عن سلطات الانقلاب العسكرية.

3-كلاهما تمَّ التصويت عليهما من قبل مجلسٍ –جمعيةٍ- تأسيسيٍّ منتخب،وما عداهما أصدرهما الحاكم العسكري ومجلسه الانقلابي ولم يُصِّوت عليهما ممثلو الشعب.

4-كلاهما دستورٌ دائم ، وما عداهما دساتير مؤقتةٌ.

5-كلاهما أسَّس لعهدٍ ديمقراطيٍ جديد،فالدستور الأول –القانون الأساسي لسنة 1925- أرسى دعائم العهد الملكي في بداية تأسيس الدولة الحديثة،والدستور الأخير لسنة 2005 أرسى دعائم العهد الديمقراطي التعددي في حقبة ما بعد سقوط الدكتاتورية ولاسترداد السيادة بعد الاحتلال.

المحور الأول: شكل الحكم وتوزيع الاختصاصات بين السلطات :

أولاً : القانون الأساسي لسنة 1925:

أ- شكل الحكم :

نظامٌ ملكيٌّ دستوريٌّ وراثيٌّ. الملك هو رأس الدولة وهو «مصونٌ وغير مسؤول» (المادة 25). كان النظام برلمانيًا بصبغةٍ ملكيةٍ قويةٍ، إذ تمتعت السلطة التنفيذية –الملك- بصلاحياتٍ واسعةٍ.

ب-  توزيع الاختصاصات :

السلطة التنفيذية:

كانت تتركز في يد الملك،مع صلاحياتٍ يسيرةٍ للحكومة -مجلس الوزراء-.فللملك حق تعيين رئيس الوزراء والوزراء وإقالتهم،وإصدار القوانين والقانون بمرسوم،وحق النقض، وعقد المعاهدات،وإعلان الحرب والأحكام العرفية،وإصدار العفو الخاص،وحل البرلمان،وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة (المادة 26).

     السلطة التشريعية

1-السلطة التشريعية منوطةٌ بمقتضى الدستور بالبرلمان مع الملك.والبرلمان-مجلس الأمة- ثنائيٌّ يتألف من مجلس النواب ومجلس الأعيان (المعيَّن).

 2-كانت صلاحيات البرلمان محدودةً أمام صلاحيات الملك الواسعة، فلقد كان يتمتع بسلطة التشريع والرقابة على أعمال الحكومة،كما أنَّ حلَّ البرلمان كان يُمثل أداةً فعالةً بيده.

    السلطة القضائية:

نصَّ الدستور على استقلال القضاء نظرياً، وعملياً ثمة هيمنةٌ من الملك، فهو الذي يُعيِّن القضاة ويعزلهم بناءً على اقتراح الوزير المسؤول.

ثانياً : دستور سنة 2005:

 أ-شكل الحكم: «نظام الحكم جمهوريٌّ نيابيٌّ (برلمانيٌّ) ديمقراطيٌّ اتحاديٌّ» (المادة 1).

 ب-توزيع الاختصاصات:

  السلطة التنفيذية:

 تتكون من رئيس الجمهورية-صلاحياتٌ محدودة- ومجلس الوزراء بقيادة رئيس مجلس الوزراء الذي يترأس السلطة التنفيذية الفعلية.يتم انتخاب رئيس الجمهورية من قبل مجلس النواب، وبعد انتخابه يُكلِّف مرشحَ الكتلة النيابية الأكثر عدداً بتأليف الحكومة.

  السلطة التشريعية:

1-برلمانٌ ثنائيٌّ يتألف دستورياً من مجلس النواب –المنتخب- ومجلس الاتحاد، وفعلياً من مجلس النواب فقط.

2-يمارس مجلس النواب اختصاصات تشريع القوانين والرقابة على أداء الحكومة والمصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.

3-يتمتع المجلس باختصاصاتٍ تشريعيةٍ ورقابيةٍ قويةٍ، بما في ذلك سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء أو أيٍّ من الوزراء (المادة 61).

  السلطة القضائية:

1- السلطة القضائية مستقلةٌ تماماً،والقضاة مستقلون.

2-يتمتع القضاء الدستوري-المحكمة الاتحادية العليا-بصلاحياتٍ واسعةٍ في الرقابة على دستورية القوانين وتفسير النصوص الدستورية.

التحليل المقارن بين الدستورين بشأن شكل الحكم وتوزيع الاختصاصات بين السلطات :

1-التحوُّل الجذري: انتقل العراق من نظامٍ ملكيٍّ مركزيٍّ قويٍّ إلى نظامٍ جمهوريٍّ برلمانيٍّ اتحاديٍّ.وفي الوقت الذي كان الملك في دستور 1925 يُمثِّل محور النظام السياسي، فقد أضحى البرلمان والحكومة في دستور 2005 هما مركز الثقل.

  2-توازن السلطات: في دستور 1925 كانت الكفة مائلةً لصالح السلطة التنفيذية -الملك-. في حين غدا في دستور 2005 ثمة فصلٌ أكثر وضوحًا للسلطات مع توازنها ووجود آلياتٍ للرقابة المتبادلة (مثل سحب الثقة وحل البرلمان بشروطٍ صعبة).

المحور الثاني: إرساء دعائم الدولة :

 القانون الأساسي 1925:

1-لقد أسهم هذا الدستور في تأسيس دولة العراق الحديثة بعد حقبة الاحتلال وسريان الانتداب.

2-أرسى مفهوم دولة المؤسسات والدولة القانونية.

3-ساعد في ترسيخ فكرة المواطنة والهوية العراقية الجامعة رغم هيمنة النخب السياسية التقليدية.

دستور 2005 :

1-لقد جاء هذا الدستور في أعقاب سقوط الحقبة الدكتاتورية والتأسيس للسيادة.

2-أرسى دعائم الدولة الديمقراطية التعددية ودولة المؤسسات.

3-أرسى دعائم سيادة القانون وحقوق المواطنة وحكم الشعب.

المحور الثالث

: الإدارة والفدرالية :

أولاً : القانون الأساسي 1925:

    نظامٌ مركزيٌّ صارم :

1-لقد كان العراق في ظل هذا الدستور يُمثِّل دولةً بسيطةً ذات إدارةٍ مركزيةٍ.

2-كانت الصلاحيات الإدارية والمالية تتركز في العاصمة.

3- تم تقسيم العراق إلى محافظاتٍ وأقضيةٍ ونواحٍ، لكن جميع القرارات المهمة كانت تتخذ من قبل الحكومة المركزية.فلم يكن هناك أيُّ اعترافٍ بالأقاليم أو بالحكم الذاتي للمحافظات، وكانت المحافظات تدار كوحداتٍ إداريةٍ تابعةٍ للعاصمة.

ثانياً : دستور 2005:

 أ-نظامٌ اتحاديٌّ لا مركزي :

1-بمقتضى دستور 2005 أصبح العراق دولةً اتحاديةً تتوزع الاختصاصات فيها بين المركز والأقاليم والمحافظات.

2- أخذ الدستور بمبدأ اللامركزية الإدارية والسياسية بشكلٍ متقدم،تتمتع المحافظات فيه بصلاحياتٍ إداريةٍ واسعةٍ، ومجلس المحافظة مستقلٌ.

 ب-توزيع الاختصاصات :

وزَّع دستور 2005 الاختصاصات بين الحكومة الاتحادية –المركزية- وحكومات الأقاليم والمحافظات (المواد 110، 114، 115).وقد منح الأقاليم صلاحياتٍ تشريعيةً وتنفيذيةً وقضائيةً واسعةً بما في ذلك حق تعديل تطبيق القانون الاتحادي في حال التعارض مع قانون الإقليم (المادة 115،المادة 121).

 ج-العاصمة والمحافظات: تمتعت محافظة بغداد بوضعٍ خاص، كما منح الدستور المحافظات غير المنتظمة في إقليم صلاحياتٍ إداريةً وماليةً واسعةً -اللامركزية الإدارية-(المادة 122).

التحليل المقارن بين الدستورين بشأن الإدارة والفدرالية :

   1-الطابع الاتحادي: يعد إدخال النظام الاتحادي –الفدرالي- في دستور 2005 أحد أهم الاختلافات مع القانون الأساسي، حيث نقل صلاحياتٍ واسعةً إلى الأقاليم والمحافظات، وهو أمرٌ لم يكن موجودًا في ظل النظام المركزي لدستور 1925.

   ب-التحوُّل من المركزية إلى اللامركزية: كان التحوُّل من النظام المركزي الصارم في دستور 1925 إلى النظام اللامركزي في دستور 2005 هو الأبرز. هذا التحول يعكس التغيير الجذري في الفلسفة السياسية للدولة،من دولة المواطنة الفردية إلى دولة الاعتراف بالتعدديات الإقليمية والثقافية.

   ج-التحدي والفرصة: وإذْ سعى دستور 2005 إلى معالجة مشاكل التهميش والمركزية المفرطة، فإنه أوجد تحدياتٍ كبيرةً في تنظيم العلاقة بين المركز والأقاليم وتوزيع الثروات -ولاسيما النفط والغاز-.

وللحديث تتمَّة إن شاء الله للبحث في الحقوق والحريات واستقلالية القضاء في هذين الدستورين.


مشاهدات 57
الكاتب حسن الياسري
أضيف 2025/10/26 - 3:56 PM
آخر تحديث 2025/10/27 - 2:52 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 78 الشهر 17945 الكلي 12157800
الوقت الآن
الإثنين 2025/10/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير