حماس لم تنهزم وطوفان الأقصى لم يكن مغامرة
اكرم عبد الرزاق المشهداني
في كل الحروب هناك بداية ونهاية، وهناك منتصر ومهزوم, رغم ان هناك من يقول انه في كل الحروب التدميرية في هذا الزمان لا يوجد منتصر، فكلا طرفي النزاع يفقدان الارواح من المدنيين ومن العسكريين ويخسران المعدات والمنشآت والمباني ويخسر كليهما الاموال التي صرفت لادامة زخم القتال. وفي كل حرب هناك آلة إعلامية تروّج لانتصار افتراضي مزعوم، منتصر ومهزوم في الواقع الفعلي، وهناك منتصر ومهزوم في الواقع الافتراضي، فقد عشنا أيام الحرب الايرانية -العراقية على مدى ثماني سنوات (بين 1980 و 1988) ذهب ضحيتها ملايين الأرواح من الطرفين، ولكنها انتهت باحتفالات لدى الطرفين المتحاربين كل منهما يفخر انه (المنتصر)، وخرجت التظاهرات والاحتفالات الشعبية والرسمية لدى الطرفين بان كلا منهما حقق النصر في هذه الحرب الشرسة الطويلة المدمرة.
ونتذكر الحروب العربية الاسرائيلية مثل عدوان 1956 الاسرائيلي الفرنسي البريطاني على مصر انتهى بادعاء كل من الطرفين انه منتصر في الحرب، ثم جاءت حرب حزيران 1967 وانتهت بخسائر فادحة لدى الطرفين وانتهت بادعاءات الانتصار. وكذا الحال مع حرب اكتوبر 1973. ثم شهدنا اخيرا حرب الـ (12) يوما بين اسرائيل وايران في الصيف الأخير، جعلت الجانبين يخرجان ببيانات النصر المزعوم من وجهتي نظر مختلفتين.
واليوم إذ تعلن حماس موافقتها على مبادرة الرئيس الامريكي دونالد ترامب لانهاء حرب السنوات الثلاث (7أكتوبر 2023 – أكتوبر 2025)
السؤال عن «من انتصر؟» في حرب الثلاث سنوات بين حماس وإسرائيل (2023–2025) منذ انطلاق «طوفان الاقصى» لا يمكن الإجابة عليه ببساطة، لأن الانتصار هنا ليس عسكريًا تقليديًا فقط، بل يتداخل فيه البُعد السياسي، الرمزي، الإنساني، والإعلامي.
ملامح نتائج الحرب حتى الآن:
إسرائيل عسكريًا: استخدمت إسرائيل أقصى أدوات القوة، بما فيها الحصار، القصف المكثف، والتجويع، ضمن ما وصف بـ»حرب إبادة».
انتقادات داخلية
فشلت في تحقيق أهدافها الأساسية مثل إسقاط حكم حماس، تهجير سكان غزة، أو فرض شروط استسلام. واجهت اسرائيل انتقادات داخلية شديدة، وضغوط من عائلات المحتجزين، وتآكل الثقة في القيادة السياسية والعسكرية.
حماس استراتيجيًا ورمزيًا: نجحت في إرباك إسرائيل، وكسر احتكارها للمبادرة العسكرية. حافظت على قدرتها القتالية رغم الدمار، واستمرت في إطلاق الصواريخ، واحتجاز رهائن حتى نهاية الحرب.رسّخت حضورها الرمزي والسياسي، وظهرت كقوة تفاوضية قادرة على فرض شروط في اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
النتائج الإنسانية: غزة دفعت الثمن الأكبر: أكثر من 50,000 قتيل، بينهم 13,000 طفل، ودمار هائل للبنية التحتية. إسرائيل فقدت نحو 1,200 شخص، بينهم مدنيون وجنود، وتعرضت لهجمات غير مسبوقة في 7 أكتوبر.
خلاصة تحليلية: إسرائيل لم تنتصر عسكريًا رغم تفوقها، وحماس لم تُهزم رغم الفارق الهائل في القوة. الحرب كشفت حدود القوة العسكرية الإسرائيلية، وأبرزت قدرة حماس على الصمود، الإرباك، والتأثير في الداخل الإسرائيلي. انتصار حماس كان في الرمزية، الاستمرارية، والقدرة على فرض شروط تفاوضية، بينما إسرائيل خرجت من الحرب بخسائر سياسية ومعنوية كبيرة
ماهي التحولات الكبرى التي فرضتها الحرب
إعادة تعريف الصراع: الحرب لم تكن بين إسرائيل وحماس فقط، بل تحولت إلى صراع شامل ضد الشعب الفلسطيني، كما وصفته دراسات أكاديمية، مما أعاد القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام الدولي بعد سنوات من التهميش.
إسرائيل سعت إلى تصفية القضية عبر التهجير الجماعي، التدمير الكامل للبنية التحتية، وتجويع السكان، وليس فقط القضاء على حماس.
فشل عسكري
فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها: لم تستطع إسرائيل استعادة جميع أسراها بالقوة، ولا إسقاط حكم حماس، ولا تفكيك بنية المقاومة، رغم الدعم الأميركي والغربي غير المحدود. هذا الفشل العسكري والسياسي أضعف الرواية الإسرائيلية، وأظهر حدود القوة العسكرية في مواجهة حركات مقاومة شعبية.
صمود المقاومة الفلسطينية: حافظت حماس على بنيتها العسكرية، واحتفظت بأكثر من 100 أسير إسرائيلي حتى نهاية الحرب، مما عزز موقعها التفاوضي.
هذا الصمود أعاد الاعتبار للمقاومة كفاعل سياسي مركزي في القضية الفلسطينية، وليس مجرد فصيل عسكري.
ثانيًا: التأثيرات الإقليمية والدولي
. عودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة: الحرب أعادت القضية إلى طاولة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والجامعة العربية، بعد أن كانت مهمشة لصالح ملفات أخرى مثل إيران وأوكرانيا. واصبح العالم اكثر قبولا للاعتراف بدولة فلسطين.تصاعد التضامن الشعبي العالمي، وظهور حركات ضغط جديدة في الغرب، خصوصًا في الجامعات والنقابات. تراجع شرعية السلطة الفلسطينيةالسلطة في رام الله بدت عاجزة عن التأثير أو التفاوض، مما زاد من الانقسام الداخلي الفلسطيني، وأضعف تمثيلها أمام المجتمع الدولي. وهذا يفتح الباب أمام إعادة تشكيل القيادة الفلسطينية، أو على الأقل إعادة النظر في تمثيلها السياسي.تعزيز دور قطر ومصر في الوساطة قطر برزت كوسيط رئيسي في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، رغم الحملات الإسرائيلية لتشويه دورها. اما مصر حافظت على دورها التقليدي، لكنها واجهت ضغوطًا بسبب خطط التهجير التي طرحتها إدارة ترامب، والتي رفضتها رسميًا.
ثالثًا: السيناريوهات المحتملة لمستقبل القضية (خلاصة تحليلية):
الحرب لم تُنهِ القضية الفلسطينية، بل أعادت تشكيلها. إسرائيل فشلت في فرض حل بالقوة، والمقاومة نجحت في فرض نفسها كطرف تفاوضي. ان مستقبل القضية الآن يتوقف على: قدرة الفلسطينيين على توحيد صفوفهم. استمرار الضغط الدولي لإعادة الاعتبار للحقوق الفلسطينية.
دور الدول العربية في منع التصفية ودعم الحل السياسي العادل.