الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الحربي يترجّل عن صهوة جواده بعيداً عن الوطن

بواسطة azzaman

الحربي يترجّل عن صهوة جواده بعيداً عن الوطن

مبدع عاش حزيناً في منفاه رصيده الذكريات والقلم

رياض محسن المحمداوي

 

ترجل عن صهوة جواده فارس من اعتد فرسان المسرح العراقي المخرج والممثل والكاتب عباس الحربي عن عمر ناهز 74 عامآ في منفاه باستراليا بعيدآ عن وطنه الذي احبه وحقق فيه انجازات ابداعية كبيرة في المسرح والسينما والتلفزيون لاتزال راسخة في ذاكرة الجمهور العراقي عباس الحربي الذي نذر نفسه للمسرح منذ الطفولة وحقق انجزات لاتزال شاخصة في اذهان الجماهير.

لم يكن الحربي فنانا عاديآ بل كان عبقريآ سابقآ لعصره. ابهر الجماهير ممثلآ ومخرجآ وكاتبآ متميزآ منذ بداياته عرفه الجمهور من خلال مسرحياته الجادة. التي بداءها مع فرقة المسرح العربي في مدينة الثورة في نهاية سبعينيات القرن الماضي حينما بدأ بعرض مسرحياته في المقاهي الشعبية والساحات والمدارس ومراكز الشباب لكونه يؤمن ان المسرح قوة العقول الذي يرسخ مفاهيم الثقافة المجتمعية نحو مستقبل واعد ولم يتوقف عن الابداع حتى دخوله معهد الفنون الجميلة لدراسته المسرح الاكاديمي فكان من اوائل اقرانه المتميزين

مارس الإخراج المسرحي وأخرج عشرات المسرحيات الناجحة وقد عرفه الجمهور ممثلا بارع له اسلوبه الفريد في التمثيل في اغلب الاعمال التي شارك بها.

تميز في عالم الكتابة وكتب للعديد من الأعمال الفنية سواء للمسرح أو المسلسلات الدرامية وللسينما والتي كتب عنها النقاد واحبها المشاهد العراقي والتي لاتزال باقية في ذاكرته.

يُعَدّ الحربي واحدًا من الأسماء التي أسهمت في إثراء المشهد الفني العراقي حيث ترك إرثًا متنوعًا بين المسرح والدراما والسينما من أبرز أعماله التلفزيونية: الحواسم للفضائية الشرقية، بغداد الساعة صفر، ثمنطعش اخراج الراحل عدنان ابراهيم،  قميص من حلك الذيب، وفلوس بيك، خيوط من الماضي، أشهى الموائد في مدينة القواعد، قناديل الفجر، آخر الملوك،  ذئاب الليل، متى ننام، و فيلم القفاز الأبيض عام1997.

وعلى المستوى العربي كتب مسلسل السلطان والشاه اخراج محمد عزيزيه.

من أهم اعماله المسرحية: الشاخة 1978، الفزاعة 1980، النهضة 1999، بير وشناشيل التي اخرجها الراحل عوني كرومي.

لقد كان الحربي طاقة تعدت حدود العطاء تكمن عبقريته في شخصيته العفوية الطيبة التي اتاحت له ان يكون قريبآ من قلوب الجميع لقد كان ينشر طاقة ايجابية وسعادة أينما حل في مكان تراه مبتسم يتمتع بهدوء وروح جميلة بين اصدقائه والاخرين. كان شخصية مؤثرة بهدوئه وحضوره عنصران هامان في كسب احترام ومحبة الآخرين.

اما أخلاقياته في العمل كانت كفيلة بقوة شخصيته الهائلة المقنعه للغير في التركيز على النجاح وتخطي الخوف والمستحيل واطلاق الابداع الداخلي بارع في الاقناع من خلال ايصاله المعلومة يعطيك شحنة من حماس وطاقة ايجابة لا متناهية تحثك على الابداع.

مسرحية مدرسية

تعرفت على الحربي في نهاية سبعينيات القرن المنصرم عندما كنت في سن خمسة عشر عامآ حينما اشتركت في مسرحية مدرسية كان حاضرآ فيها حينها عرض علي العمل في صفوف فرقة المسرح العربي واوكل لي دور في مسرحته الشاخة التي عرضت على مسرح مركز شباب الطليعة عام 1979 وكذلك مسرحية الفزاعة على مسرح مركز شباب الرافدين بمدينة الثورة في عام 1981 وكانا هذين العملين بمثابة مفتاح الشهرة للحربي في المجتمعات الشبابية الثقافية والفنية واكتسابه احترام شرائح المجتمع الاخرى.

احببت العمل معه وتعلمت منه الكثير وابدعت في ادواري التي اوكلها لي من خلاله لكوني احسست بحبه للمسرح وجديته في العمل حفزتني على الابداع والمثابرة فايقنت اني امام شخصية فذة وفنان كبير غير عادي.

لقد حببني بالمسرح والفن واكتشف بي طاقات اخرى كنت غافلا عنها طورت نفسي من خلالها كالموسيقى والكتابة وغيرها كما ساعد الكثيرين من نجوم الفن على رسم مستقبلهم. للحربي بصمته بكل شيء سواء في العلاقات الاجتماعية او في المسرح والإخراج وكتابة القصص والنصوص والمسلسلات ويتمتع بحس تراجيدي عميق وخيال خصب بعيد النظر.

مبدع شغوف وطموح له حضور جميل وكاريزما تخطف الانظار  حين تكون معه على خشبة المسرح تدرك انك امام ممثل عملاق لايجارى عرفه الجمهور كاتبآ وممثلا ومخرجا عبقريآ متفائل دؤوب في عمله وطاقة خلاقة لاتوصف.

كان يطرح أراءه بهدوء من خلال اعماله ومسرحياته  وكان منفتحآ ايضآ على الجميع يحترم كل الاراء ويصغي لها باحترام.

لم ينتمي لاي حزب او حركة سياسية كان يبغض الافكار المتطرفة والعنصرية والخارج عن العرف والمألوف كان عراقيآ متعصبآ لعراقيته وطنيآ يحب العراق ويحلم ان يكون في مصاف البلدان المتقدمة له طموحات كثيرة لم يحقق منها الا القليل كونه حرم من تحقيقها في بلده العراق عقب الاحداث السياسية المتتالية التي اطاحت بأمال الجميع.

ويعتبر الحربي احد اهم مؤسسي المسرح في مدينة الثورة في بغداد وفرقة المسرح العربي والذي كانت بمثابة مؤسسة فنية تخرج منها العديد من الطاقات التي رفدت الفن العراقي بالعطاء المتميز امثال الفنانة احلام عرب والفنان كريم رشيد والراحل الفنان علي العزاوي والمخرج طارق هاشم والفنانة الراحلة اقبال نعيم وغيرهم.

ولد الحربي في محافظة ذي قار عام 1951 تخرج من معهد الفنون الجميلة فرع الفنون المسرحية بغداد عمل بعد تخرجه معلمآ ثم مشرفآ تربويآ فنيآ في وزارة التربية.

غادر العراق مهاجرآ عام 1999 إلى الأردن وبقي فيها قرابة ست سنوات وفي عام 2005 غادر الى استراليا بعد قبوله كلاجيء انساني وعاش في مغتربه مثله مثل الكثير من مبدعين العراق الذين ضاعت امالهم في تحقيق فرص الذات في المنجز لخدمة مجتمعهم في بلدهم الأم بعد تعرضهم  للاضطهاد والتهميش.

ورغم ان أشكال النشاط كانت محدودة في بلد المنفى استراليا بحكم عدم دعم الفن واعتماد الفنان على جهده الذاتي الا ان الحربي استطاع الانغماس بالمجتمع قدر الامكان واستطاع ان يعمل مع بعض المؤسسات الاعلامية والفنية فقدم من خلالها بعض العروض المسرحية المتواضعة للمغتربين وسط تلك الظروف القاهرة التي كان يمر بها لتحوله لمجتمع غير مجتمعه الذي ترعرع فيه وقد عانى الكثير من الحزن والوحدة بعد وفاة زوجته ورفيقة دربه في المنفى التي انجبت له ولدان وثلاث بنات ورغم تلك الاحداث كان نشطآ رافدآ الدراما العراقية بعدت اعمال ومسلسلات كتبها.

لقد قدم عباس الحربي في بداياته انجازات فنية عبقرية لاتنسى في زمن لم يتوفر فيه الدعم الكافي للمبدعين الا انه استطاع بحنكته وشخصيته واصراره على النجاح ان يقنع من حوله بالتغلب على المستحيل والاعتماد على ابداعهم والامكانيات البسيطة الذاتية فكانت ثمرة جهوده نجاحات مبهرة.

لقد عاش الحربي حزينآ في منفاه رصيده الذكريات وحزنه واوراقه وقلمه الذي طالما تعكز عليه في غربته لكن في الغربة تشيخ الأقلام وتبري نفسها لحد الانتحار.


مشاهدات 65
الكاتب رياض محسن المحمداوي
أضيف 2025/09/14 - 3:32 PM
آخر تحديث 2025/09/15 - 4:02 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 106 الشهر 10164 الكلي 11928037
الوقت الآن
الإثنين 2025/9/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير