الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
من قتل عباس الحربي.. الغربة ام الاهمال؟

بواسطة azzaman

من قتل عباس الحربي.. الغربة ام الاهمال؟

شوقي كريم حسن

 

لا تبحثوا في سجلات الطب العدلي، لن تجدوا شخصاً اسمه عباس الحربي. موته لم يكن في مستشفى ولا على سرير أبيض. عباس قُتل بين أروقة الوزارات العراقية بين وزارة التربية ووزارة الثقافة، وفي دهاليز المهرجانات، وعلى موائد الولائم التي يجلس حولها أدعياء الثقافة.منذ أن غادر العراق، كان يعرف أن الغربة سكين، لكنه لم يعرف أن الطعنة القاتلة ستأتي من أهله، من الوسط الذي ادّعى حمل الفن والثقافة. لم يعرف أن المهرجانات التي كُتبت من أجل الوجوه الجديدة ستُختطف لتُفتح أبوابها لـ”أبناء السفارات” و”تجار العلاقات”، وتُغلق في وجهه هو، الذي حمل روحه على خشبة المسرح.المجرم ليس شخصاً بعينه، بل مؤسسة كاملة، دولة كاملة، عقلية كاملة. عباس الحربي مات لأن الثقافة الرسمية في  البلد ليست ثقافة، بل مزرعة توحش.مات لأن الكراسي أهم من الكفاءات، و الدعوات تُمنح بالولاء لا بالجدارة.عباس الحربي صرخ حتى بح صوته، لكن لم يكن أحد يريد أن يسمع…اريد ان اعود الى وطني،،عباس الحربي كتب، لكن نصوصه ضاعت في أدراج الانتظار.عباس الحربي عاش بيننا، لكنهم تآمروا على نفيه حيّاً، حتى لم يبقَ له إلا أن يرحل.

فمن القاتل؟ القاتل وزارة ثقافة التي ترفع شعار الفن وهي تذبح الفن.القاتل هو كل مهرجان يكرم الرداءة وينسى الشرفاء.القاتل  كل مسؤول لم يجد في اسمه إلا ورقة لا قيمة لها.عباس الحربي لم يمت وحده.هو المرآة التي تعكس موت جيل كامل، جيلٍ ذُبح بسيوف الإهمال والتهميش، وما زال دمه يسيل على منصات كاذبة.

عباس الحربي لم يترك شيئًا خلفه إلا حقيقة مؤلمة: أن الفن في هذا الوطن أصبح سلعة، وأن الشرفاء محاصرون بين صمت الأذكياء وازدواجية النظام الثقافي. لم يمت عباس لأن قلبه خذل جسده، بل لأن العقل الجمعي الذي يُفترض أن يحمي الإبداع خان كل من وقف على الخشبة.في الغربة، كان عباس يراقب العالم من نافذة ضيقة، يشهد على نفسه وهي تتلاشى بين أيدي من لا يعرفون قيمة الفن، ولا يعرفون معنى صرخة الممثل على خشبة المسرح. كل رسالة لم تُقرأ، كل تكريم لم يُمنح، كل كلمة لم تُسمع كانت سكينًا  في ظهره. عباس الحربي لم يك مجرد ضحية، بل  شهادة. على فساد المؤسسات، و انعدام العدالة الثقافية، على اختفاء الضمير من قلب الثقافة الرسمية.  حاول أن يصنع مستقبلاً لنفسه وللفن، لكن المنظومة لم تسمح له. لم يعد يهمهم الإبداع، بل الشكل والواجهة، أما العمق فموت محقق منذ زمن.عباس الحربي غائب عن المسرح، لكنه حاضر في كل كلمة غير مسموعة، في كل نص لم يُنشر، في كل مهرجان لم يوجه له دعوة. هو القتيل الذي يرفض أن يُنسى، يصرخ بصمت في وجوه من خانوه، يذكّرنا بأن القتلة الحقيقيين ليسوا أولئك الذين يحملون سلاحًا، بل أولئك الذين يزرعون الإهمال، ويرسمون حدود الحياة للفنانين الشرفاء.عباس الحربي مات جسديًا، لكن روحه مستمرة، تتجول بيننا، لتكشف لنا كم نحن ضعفاء أمام منظومة لا تعرف إلا القسوة على من يستحق الحياة الفنية، واللطف على من لا يستحق إلا النسيان.أيها الذين تدعون الثقافة وتبيعونها بالألقاب والمناصب، اسمعوا جيدًا: عباس الحربي لم يرحل لأنه ضعيف، بل لأنكم أنتم الأقوياء الذين خانوا شرف الفن، وخنقتم كل صوت يُريد أن يقول الحقيقة. قضيتم على الإبداع ببطء، لم تُطلقوا رصاصة واحدة، بل تركتم الفنانين يموتون جوعًا وإهمالاً. عباس الحربي مات لأنكم اخترتم الصمت بدل المحاسبة، والمحسوبية بدل الكفاءة، والواجهة بدل الحقيقة.كل مهرجان، كل جائزة، كل كرسي في وزارة، أصبح وسيلة لقتل روح الفنان قبل أن يموت جسديًا. وأنتم المسؤولون، أنتم القتلة الحقيقيون.

لم تُذلوا عباس وحده، بل كل من يؤمن بأن الفن رسالة، وأن المسرح ليس تجارة، وأن الثقافة ليست مجرد شعارات تُعلق على الحائط. عباس الحربي، رغم غيابه، ما زال معنا نجوب ازقة وشوارع مدينة الثورة: في كل نص لم يُنشر، وصرخة لم يُسمع صداها، في كل فنان يُحاصر اليوم بالبيروقراطية واللامبالاة. روحه تهزّ ضمائركم، وتذكركم بأن الزمن لا ينسى، وأن القتلة الحقيقيين يبقون في قائمة التاريخ بلا شرف.فهل تسمعون؟ أم تظلّون في غفلتكم؟!

عباس الحربي لم يمت. يحيا في صراخكم،  فضاحكم، وفي كل فنان يُحرم من حياته وحقه في الفن بسببكم.عباس الحربي لم يُقتل بالسيف، ولم يُقتل بالرصاص، بل بكمشة أوراق، بمكتب فارغ، وبقلب ثقافة جاثم على ضمائرنا يمشي بيننا اليوم، يراقب كل من تواطأ على موته البطيء، ويهمس في أذن كل مسؤول: لن تفلتوا من الحقيقة، ولا من صرخة من قتلتموه بالحيف والإهمال.

فلتعرفوا جميعًا، أن عباس الحربي حيّ… أكثر مما كنتم تتخيلون. .باق ولربما نراه ذات ليلة عائدا ليكتب ويخرج نهضة جديدة(غم النهضة الما نهضت بهلهه)!

تلك هي الملحمة التي مات من جلها عباس الحربي،،وحرمته ان يعود الى وطنه حتى في مهرجان مسرحي لاعلاقة للانسان العراقي فيه..!

 

 


مشاهدات 76
الكاتب شوقي كريم حسن
أضيف 2025/09/14 - 3:42 PM
آخر تحديث 2025/09/15 - 3:57 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 106 الشهر 10164 الكلي 11928037
الوقت الآن
الإثنين 2025/9/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير