عناوين ملتبسة
أحمد عبد المجيد
غالباً ما تتحول المآتم الى فرص للقاء اصدقاء أو زملاء تمنعهم ظروف العمل والحياة عن التواصل، فتنهال الاستذكارات على احادثيهم وتنطلق الالتقاطات الخاصة بآخر انجازاتهم. وخلال حضوري مآتم شقيق زميلنا الاعلامي شاكر حامد، لتقديم واجب العزاء، التقيت زميلي الاعلامي البارز سالم مشكور، الغائب الحاضر عن المشهد بسبب اقامته في الولايات المتحدة وحضوره المتقطع في بغداد. وكان اللقاء مناسبة لاسترجاع العديد من التفاصيل اليومية والمهنية، ولمشكور آراء حصيفة بشأنها، بحكم تجربته المهنية العريضة واتصالاته الواسعة بمراكز صنع القرار والرأي العام، وصادف اننا غادرنا مجلس الفاتحة سوية بعد ان قرأنا الفاتحة، فذهب مباشرة الى سيارته واستخرج من صندوقها نسخة من كتابه الجديد (السلطان في كردستان) الذي يحلل، بالتفاصيل والوثائق، جدلية الامن والطاقة في سياسة تركيا تجاه اقليم كردستان.
واغراني عنوان الكتاب الذي يبدو انه سبب، التباساً لدى الاخوة في السلطات الثقافية في الاقليم، فعكفت على قراءته. ورأيت ان زميلي سالم مشكور درس الموضوع دراسة اكاديمية موضوعية لا تقبل الانحياز ولا تجيز الميول الشخصية، والدليل ان الكتاب في الاصل – كما يبدو لي – رسالة ماجستير قدمها الباحث الى مجلس معهد العلمين للدراسات العليا في النجف.
وهكذا فأن العنوان الصحفي الذي اختاره لكتابه، ربما يقف وراء الرأي الملتبس بشأن منع تداوله في الأقليم.
ولعل أهم ما خرج به الباحث انه اثبت فرضية مؤداها اعتماد تركيا على الربط الاقتصادي لالحاق الاقليم بمنطقة نفوذها، وقد رأى الباحث ان هذا الربط يقيد أربيل بوصفها عاصمة الاقليم.
وبرغم اني أدرك ان انفتاح الاقليم على محيطه، عامل قوة يعزز الرخاء والتطور، فأن مسألة قيام الباحثين بدراسة التجربة سواء بأبعادها السياسية أوالاقتصادية، ربما يزيد آفاقها اتساعاً ويضعها تجربة نجاح تحتذى، ولا يجوز بأي حال توهم ان مخرجات البحوث التي تتناولها تمس، بهذا القدر أو ذاك، بها أو تقلل من شأن النجاح الذي حققته. فلا تجربة في العالم تخلو من ملاحظات او لا تعتريها عوامل الخلل او التلكؤ أو التصدع هنا أو هناك.
ولا مفر من التعامل مع الاراء والافادة من الانطباعات التي ترتقي الى مستوى نتائج علمية أو معرفية، تم بلوغها بالدراسة الاكاديمية. أما الخوف والتوجس فهو عالم يعوق التصحيح ويحرم التجربة من فرص التقويم والتطور.
ولقد شكا لي الصحفي اللبناني فؤاد مطر، من منع عرض كتابه عن عملية الاستفتاء على الاستقلال التي جرت في كردستان عام 2017، دون قراءة محتوى كتابه على وفق المعايير العلمية والموضوعية، والوقوع في وهم العنوان الذي بدا للسلطات الثقافية في الاقليم ملتبساً.
اطرح هذا الموضوع من منطلق علاقتنا الايجابية وحرصنا الاكيد على تجربة الاقليم التي تحولت الى نجاح عراقي في الادارة الاستراتيجية يحتذى به، وصار موضع تقدير واشادة عربية ودولية دائمة نتيجة مكاسب حققها للشعب: الأمن والخدمات والتنمية المستدامة والقيادة المتجانسة.