نتنياهو ووهم الهجرة الطوعية
محمد علي الحيدري
لم يكن اجتماع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع وزرائه ومسؤوليه الأمنيين يوم 11 سبتمبر 2025 نقاشًا إداريًا حول ما يسمى بـ“الهجرة الطوعية” للفلسطينيين من غزة، بل كشف عن نية سياسية أعمق تتجاوز المسمى لتصل إلى مشروع تهجير قسري منظم. تحت غطاء لفظ مخفف يوحي بالاختيار، تتشكل سياسة تهدف إلى إعادة رسم الخريطة الديموغرافية لصالح إسرائيل، في ظل واقع حربي واقتصادي وإنساني يجعل أي قرار بالمغادرة أقرب إلى الإكراه منه إلى الحرية.
الخطة المطروحة لتسهيل خروج الغزيين عبر الموانئ والمطارات ابتداءً من أكتوبر المقبل تأتي بعد حرب دمرت أكثر من 80بالمئة من البنية التحتية في القطاع وخلّفت عشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من المشردين. في هذا السياق، يصبح الحديث عن “فرص” للانتقال إلى دول أخرى محاولة لإضفاء طابع شرعي على سياسة إفراغ الأرض من سكانها الأصليين، فيما يُغلق الأفق أمام أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة.
وقائع استيطانية
سياسيًا، يكشف هذا المسار عن حسابات داخلية ضيقة لنتنياهو، الساعي إلى تعزيز تماسك ائتلاف يميني متشدد يضغط باتجاه خطوات أكثر تطرفًا. وبينما تتراجع شعبيته داخليًا ويواجه تهديدًا متزايدًا من المعارضة، يختار اللجوء إلى تصعيد يخاطب جمهوره الانتخابي، بدلًا من العمل على حلول عملية كوقف إطلاق النار أو إطلاق سراح الرهائن. هذا النهج يعكس استمرار الاستراتيجية الإسرائيلية في الضفة الغربية، حيث يجري تثبيت الوقائع الاستيطانية على الأرض وتفريغ أي مسار تفاوضي من مضمونه.
أما على المستوى الدولي، فإن الخطة تضع إسرائيل في مواجهة مفتوحة مع موجة انتقادات متصاعدة. أصوات في الكونغرس الأميركي وصفت السياسات الإسرائيلية بأنها تحمل سمات “التطهير العرقي”، فيما تتحرك دول كقطر عبر خطوات دبلوماسية حادة، ويطالب الشارع العالمي بالمحاسبة عبر المحكمة الجنائية الدولية. هذا يضع نتنياهو أمام معادلة معقدة: مكاسب داخلية مؤقتة مقابل خسائر استراتيجية طويلة الأمد على صعيد الشرعية الدولية وعلاقاته مع الحلفاء.
في المحصلة، ما يسميه نتنياهو “هجرة طوعية” ليس سوى محاولة لإخفاء واقع التهجير القسري تحت لغة مُخففة، وهو خيار سياسي يعرّي طبيعة الأزمة أكثر مما يقدم حلًا لها. فإفراغ غزة من سكانها لن يمنح إسرائيل أمنًا مستدامًا، بل سيكرس صراعًا أطول وأعمق. وإذا لم يتحرك المجتمع الدولي بخطوات عملية تتجاوز بيانات الإدانة، فإن ما يُراد تسويقه كخيار إنساني سيُسجل في التاريخ كأحد أكثر فصول التهجير قسوة ووضوحًا في القرن الحادي والعشرين.