الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
متى يتغيّر النظام في العراق؟  (7)

بواسطة azzaman

متى يتغيّر النظام في العراق؟  (7)

هكذا سيتم تحوّل النظام

منقذ داغر

 

«التغيير فرض وإنكاره كفر»

خلاصة ما تقدم من تحليل هي ان العراق يمر حالياً بما مرت به كثير من الدول التي إختبرت عمليات تغيير اجتماعي كبرى. هذه المرحلة الانتقالية يمكن تسميتها بمرحلة (أزمة السلطة). تتميز هذه المرحلة بتآكل بل واحتضار السلطة القديمة، وتعسر ولادة سلطة جديدة وبالتالي هزال شديد في السلطة القائمة. في ظل هذه الظروف تبرز طبقة من النفعيين Opportunists اسماها غرامشي بوحوش السلطة، تستفيد من ضعف هياكل وعمليات السلطة القديمة وتمدها بأجهزة إنعاش بالكاد تبقيها حية. أن مقومات هذا الوجود والديمومة لنظام الحكم -لا النظام السياسي- في العراق تتلخص في انه وعلى الرغم من ان كل الظروف الموضوعية Objective للتغيير حاصلة فعلاً، فأن هناك ظروف ذاتية Subjective يبرع النظام في استثمارها، ولا يستطيع المجتمع المدني تجاوزها، هي التي تساعد وحوش السلطة على الهيمنة على الحكم الى الآن. لقد تم تفصيل تلك الظروف الموضوعية والذاتية سابقاً. هذا يعني ان النظام العراقي ليس باقيا لأنه فعال او كفوء، ولا لأن الجماهير راضية عنه، بل لأنه تمكن من بناء نظام مقايضات مشترك مفيد لمصالح النخب، وممول بعائدات النفط، ومسنود بدعم خارجي أولاً، وضعف وتشتت المعارضة ثانياً، وبقوة السلاح والعنف ثالثاً. باختصار فأنه نظام هش في شرعيته، وهش في استقراره لكنه مرن في بنائه. أنه أشبه ببيت العنكبوت المحاك جيداً لكنه قابل للتمزق بسهولة عند توفر الشروط. والسؤال اذاً ما هي تلك الشروط التي يمكن ان تمزق نسيج شبكات المصالح العنكبوتية المتخادمة والتي تديم بعضها البعض؟ أن التنبؤ بتاريخ محدد لسقوط نظام وحوش السلطة غير ممكن ولا واقعي، لكن ما يمكن التنبؤ به هو أن هذا السقوط لن يكون مفاجئاً وانما سيمر عبر مراحل من تآكل الشرعية وفقدان الزخم والتحلل التدريجي لشبكات المصالح المتخادِمة. بمعنى ان هناك قوتَين ستسهمان في هذا الإحتضار المستمر الأولى هي تآكل القوة والشرعية، والثاني هي قوة التغيير التدريجي المستمر في قناعات المساندين الداخليين والخارجيين بأن هذا النظام لم يعد مناسباً لإدامة مصالح داعميه من جهة، وغير قادر على تلبية حاجات الصابرين عليه من جهة أخرى. لكن يجب ان يكون واضحاً ان سيناريو الإنقلاب الليلي او البيان رقم واحد، أو حتى إعادة الاحتلال هو سيناريو مستبعد، ولا يخدم سوى استمرار وحوش السلطة وليس العكس تماماً.

السيناريوهات المتوقعة

1. على المدى القصير. استمرار شبكات القوة المتخندقة والمتصارعة نهاراً، والمتفقة والمتخادمة ليلاً من الشيعة والسنة والكورد باتفاقاتهم ومناوراتهم السلطوية التي تكفل لهم أطول مدة من البقاء في السلطة وأقصى غنائم ممكنة. يصاحب ذلك استمرار ولاء القوى المحتكرة للعنف، سواء تحت سلاح الدولة أو اللادولة، بإخلاصها لهذا النظام المتحالف والمتغانم معها مما يجعل سيناريو الإطاحة به عسكرياً غير وارد حالياً.  اما القوى الخارجية الداعمة للنظام فستديم هي الأخرى نفس الدعم-بخاصة ايران- ما لم يحصل تغيير جذري في ميزان القوى الخارجية وتحديداً فيما يتعلق بعلاقة إيران مع أمريكا والعالم الغربي.

2. على المدى المتوسط والبعيد (أي اكثر من ثلاث سنوات): يتوقع استمرار أزمات النظام وتفاقمها مما يجعل تغييره وارداً عند أي لحظة فارقة سواء كانت شرارة هذه اللحظة داخلية أو خارجية. وهاكم بعض تلك الأزمات المتوقعة الحصول والتي اذا اندلعت شرارة ما خلالها فقد يحصل التغيير:

أ‌. أزمة أقتصادية. هذا سيمزق شبكات التخادم المصلحي ويعري النظام من قدرته على «رشوة» المواطنين للسكوت عنه، فضلاً عن نشوب صراع مصالح كبير بين المتغانمين الحاليين.

ب‌. القنبلة الديموغرافية. يشهد العراق تغيراً ديموغرافياً كبيراً لا يتمثل في زيادة السكان بحوالي مليون شخص سنوياً،وأنما بدخول مئات الوف الشباب سنوياً لسوق العمل الضعيف وغير القادر على النمو. ومهما كانت قدرة الدولة على امتصاص هذه الزيادات الهائلة من الباحثين عن العمل فأنها لن تستطيع تلبية كل الحاجات. وفي ظل ضعف القطاع الخاص الخدمي وغير المنتج لا يمكن الا توقع ازمة بطالة خانقة تؤثر في كل الحياة عموماً. من جانب آخر فأن ازدياد اعداد المتقاعدين سيلقي مزيد من العبء المالي على الدولة ليس فقط لدفع رواتبهم وانما لتوفير الرعاية الصحية اللازمة لهم. على الجانب الآخر فأن ظهور جيل جديد لم يعِش المظلومية التاريخية للشيعة او السنة او الكورد، ومثقلاً بالطموحات والآمال بحياة افضل بخاصة في ظل انفتاح كل العالم عليه، فأن ادامة وحوش السلطة لولاء مجاميعهم الطائفية والمذهبية من خلال نفس الخطاب التاريخي للظلم الذي وقع عليهم سيكون صعب جداً ولا يمكن تسويقه لهذه الأجيال الشابة بسهولة.

ت‌. الصدمات الأقليمية. تزخر المنطقة بكثير من التقلبات السياسية الكبرى التي تعيد صياغة قواها والمتحكمين بها. لم تعد أمريكا وايران هما اللاعبان الوحيدان بل انضمت تركيا و»إسرائيل» لهما. ويبدو ان دول الخليج الغنية قادمة ايضاً بقوة. في ظل هذه التغيرات الإقليمية فسيكون من الصعب على ايران وامريكا الاتفاق كما فعلت دوماً لإدامة بقاء نظام وحوش السلطة في العراق،وسيكون للاعبين الجدد كلمتهم المسموعة ايضاً.

الخلاصة التي تجيب عن السؤال الذي طُرح كعنوان لهذا التحليل (متى يتغير النظام) هي انه بدلا من توقع السقوط المفاجئ، فمن المرجح أن يواجه النظام العراقي أزمات دورية - احتجاجات وتعديلات حكومية وانتخابات مبكرة وأزمات اقتصادية وإقليمية - تقوض شرعيته. من المحتمل أن يتطلب الانهيار المنهجي الحقيقي توافق واحد او أكثر من الشروط الآتية:1) قيام توافقات وتفاهمات، بل وتحالفات عابرة للطائفية والقومية بين القوى المعارضة لوحوش النظام تتناسى فيها خلافاتها الآيدلوجية والقيادية وتركز على مصالح العراق ومصالحها.2) فقدان الحماية الخارجية (الأمريكية او الإيرانية) للوضع الراهن بعد ان يصبح عبئاً ومسؤولية liabilities  أكثر من كونه رافعة لمصالحها.3) أزمة اقتصادية مؤثرة في قدرة الوحوش على ادامة هيمنتهم على السلطة. وفيما عدا الشرط الأول فأن الشرطَين الآخرَين ابتدءا على ما يبدو وهو ما يشرح سبب هشاشة النظام حالياً الذي يبدو قوياً من الخارج لكنه كقالب الزبدة يقطع بسهولة، أو يذوب تدريجياً.

 


مشاهدات 94
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2025/09/13 - 1:03 AM
آخر تحديث 2025/09/13 - 4:02 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 141 الشهر 8737 الكلي 11926610
الوقت الآن
السبت 2025/9/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير