مشروع طويل المدى
ثامر محمود مراد
الاندفاع غير المدروس، مهما كان مخلصاً في نواياه، قد يؤدي إلى نتائج عكسية، بل وقد يزيد من معاناة الشعوب بدل أن يفتح لها أبواب الحرية. فالمغامرة العسكرية أو السياسية إذا افتقرت إلى التخطيط الاستراتيجي العميق، تصبح أحياناً وسيلة بيد العدو لتبرير بطشه وإرهابه، وتمنحه فرصة لتوسيع دائرة عدوانه. لقد شهدنا في تجارب قريبة كيف أن بعض المبادرات المسلحة، رغم ما حملته من رمزية وتحدٍ، أفسحت المجال أمام آلة القمع الصهيونية لتطلق أشرس حملاتها التدميرية، مستهدفة البشر والحجر معاً. ولا يخفى أن الاحتلال يتقن استغلال أي فرصة لزيادة معاناة الفلسطينيين، مستخدماً الدعاية الدولية ومساندة القوى الكبرى لتبرير جرائمه. إن معركة الحرية ليست مجرد لحظة انفعال أو رد فعل عاطفي، بل هي مشروع طويل المدى يحتاج إلى توازن بين المقاومة المشروعة والحسابات الواقعية، بين الشجاعة الميدانية والدبلوماسية الذكية، بين وحدة الصف الداخلي والدعم الإقليمي والدولي. فالمعركة ضد الاحتلال ليست فقط معركة سلاح، بل هي أيضاً معركة وعي وصمود وبناء. اليوم، ومع تزايد احتمالات تصعيد عدواني جديد قد يفوق بشاعته ما شهدناه في السابق، يتضاعف العبء على الفلسطينيين وعلى الأمة كلها. من جهة، هناك واجب التضامن والدعم بكل أشكاله، ومن جهة أخرى هناك ضرورة التفكير في استراتيجيات تحرر أكثر فاعلية وأطول نفساً، كي لا تتحول الدماء الطاهرة إلى مجرد وقود إضافي لماكينة الاحتلال. وفي النهاية، يظل الدعاء نصيراً روحياً، لكن الأهم أن يقترن بالفعل الواعي والحكمة السياسية. فطريق فلسطين شاق وطويل، لكنه ليس مستحيلاً، متى ما اجتمع العقل مع الإرادة، والخطة مع التضحيات.