الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
كفى ظلماً للأنثى

بواسطة azzaman

كفى ظلماً للأنثى

قيس الدباغ

 

منذ ساعات ولادة الأنثى، يلاقيها والدها بوجهٍ مُسَوَّدٍ، وهو كَظِيم. وهذه ليست حالةً عامةً الآن، لكنها موجودة ومتأصلة في مجتمعنا.

كان لديَّ زوج أختٍ حاصل على شهادة ماجستير ويدرس للدكتوراه، وحدث أن ولدت له أولَ وِلادةٍ فكانت أنثى. لم يحضر ولادتها وتركها في بيتنا لمدة شهر كامل، لم يَرَها ولم يَرَ زوجته، وكانكما ذكره الله عز وجلمُسَوَّدَ الوجه وهو كَظِيم، ومحتجًّا على أن زوجته رُزقت بأنثى.

ولو كنا في الجاهلية الأولى لقلنا: إن الأب يفرح بولادة الذكر لكونه سيصبح مستقبلاً مقاتلاً يَذُبُّ عن القبيلة ويدفع الأذى عنها، ولكننا في حضارة (الإنسانوية وليست الانسانية فقط) في القرن الواحد والعشرين، وبقي الفكر الجاهلي يعمل في مجتمعنا.

ما أن تصبح الأنثى في مرحلة الطفولة حتى تُكلَّف بواجب حمل أخيها الصغير المدلَّل بجسدها النحيل، وترعاه. وإذا بكى الصغير انهالت أمها عليها بالتعنيف والضرب أحيانًا، وسبب بكاء الصغير هو عدم سماح أخته له بجَذِّ جدائلها والعبث بشعرها.

تنتهي من حمل الأخ وتبدأ بمساعدة أمها في الأعمال المنزلية؛ لأن الأم حامل بذكرٍ ثانٍ سَيُشَرِّفُ بحضوره بعد أشهر. تترك دراستها الابتدائية رغم تفوقها؛ لترعى إخوتها الأصغر منها.

ما أن يبدأ جسدها الغضُّ بالنمو، تبدأ توجيهات الأم بزجرها إذا قامت وإذا جلست ولم تراعِ الأعراف الاجتماعية بحجب جسدها وستره عن أعين أقرب الأقرباء.

ويأخذها حظها العاثرإذا كانت ذات حظوة من جمالإلى الزواج المبكر. يأخذها الزوج الذي يكبرها بخمسة وعشرين عامًا؛ لتبقى شابة ناضجة عند هرمه. ناهيك عن تحكم أم الزوج وأخته العانس فيها، وتُحرَم من زيارة ذويها بحجة واجبات المنزل من طبخ وتنظيف وغسل وخبز ورعاية الحيوانات أحيانًا.

وفي المجتمعات القروية، تقود الجرار (أو: التراكتور) لقلب الأرض وزراعتها. هذا إذا سلمت من دفعها (فِدْيَةً) أو (فَصْلِيَّةً) لتُطْفِئَ نار الثأر بين القبائل. والقبيلة التي تستلم الفتاة مُقَابِلَ عدم أخذ الثأر تُزَوِّجُها لشيخ كبير ليس لديه قدرة على الإنجاب؛ لتبقى أسيرة في عشيرته؛ لأنها إذا أنجبت ذكرًا يحق لها الخيار بالعودة إلى أهلها بعد ترك وليدها لدى العشيرة التي أخذتها (كفِدْيَة).

وقد يستغرب البعض من هذا الطرح في الوقت الحالي بحجة أن هذا العرف انتهى، ولكننا سنعود إليه بعد زمن بسيط إذا بقي ظلم الأنثى، كما ستعود معه أعراف سيئة أخرى.

أما إذا كانت في بيئة حضرية وتقدمت في الدراسة، فبإمكان أي أحد من أقاربهاالذين لا يجيدون القراءة والكتابةأن يفرض على حاملة الشهادة المرموقة الزواج، بحجة أن ابن العم له الحق بالزواج منها دون غيره.

ناهيك عن عمليات القتل والذبح بحجة غسل العار، وكثير منهن قد تعرضن للاغتصاب دون إرادتهن، وأحيانًا من أقرب الناس إليهن. وتُقتل الأنثى مرتين: مرة باستلاب إنسانيتها، ومرة أخرى باستلاب روحها.

ناهيك عن كل ذلك، إذا تعرضت في الطريق إلى مضايقة (أو: تحرش) خرجت عن الحدود، فلا تستطيع أن ترد؛ لأنها إذا ردت ومانعت رماها المجتمع بالسفه وقلة الحياء. على الأنثى أن تبلع الإهانة وتمشي بخُفَّةٍ مطأطئة الرأس.

وإذا شكت لأهلها جاءها الجواب: “أنتِ لا تحترمين نفسك وتلبسين ملابس تبرز مفاتنك، فتتعرضين للمضايقة”. والمجتمع يفرض عليها أن تخرج من بيتها مرتدية جلبابًا يغطيها من أعلى الرأس إلى أخمص القدم، ويحرم عليها ارتداء حجاب ملون؛ لأنه يجلب انتباه الذكور بشتى أعمارهم.

لا أدري لماذا لا يخترعون عطرًا مقززًا ذا رائحة كريهة؛ لكي يطرد الذكور! ومع هذا، فهنالك من الذكور من يمارس الجنس مع الحيوانات، فأي شيء يمنعهم من متابعة النساء بعد هذا؟

وإذا كبرت الأنثى ومات والدها، فإن إخوتهاالذين يحرصون على تطبيق الشرعيمنعون أخواتهم من إرث الأرض والمباني  (هذا إذا كانوا منصفين!)، ويُشاركونهن الأموال النقدية فقط.

وأقسى من كل ذلك هو سكوت الجميع عن هذه المخالفات في شرع الله.

وأخيرًا، تُقتل النساء في مجتمعنا على أتفه الأسباب، وأحيانًا بدون أسباب.

لنولمتنهض مجتمعاتنا إذا لم يتم إنصاف المرأة؛ لأنها هي من تصنع وتبني المجتمع.

 


مشاهدات 155
الكاتب قيس الدباغ
أضيف 2025/08/23 - 2:37 PM
آخر تحديث 2025/09/13 - 3:04 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 448 الشهر 9044 الكلي 11926917
الوقت الآن
السبت 2025/9/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير