الأقلية المنبوذة
ضياء مزهر
حين تأتي مفردة «الأقلية» امامنا، تنصرف أذهاننا فورًا إلى القومية والدين والعرق، وتختزل المفردة بكسل فكري، إلى تلك المجموعات السكانية التي تشكل رقماً قليلاً في سجل الإحصاء، أو حضوراً خافتاً في الخارطة السياسية؛ لكن هل هذا هو المعنى الحقيقي للأقلية؟ أم أننا وقعنا في فخ التوصيف السهل الذي يريح السلطة ويكبح التمرد؟
الحقيقة الأعمق وربما المؤلمة أن الأقلية الحقيقية اليوم هم أصحاب المبادئ؛ أولئك الذين رفضوا المساومة في زمن تُباع فيه القناعات على رصيف المنافع .. أقلية ليست محكومة بعدد او رقعة جغرافية ، بل بموقف.
في زمن تتكاثر فيه الجموع وتتبخر القيم، يصبح صاحب المبدأ كائناً نادراً، تماماً كالشرف كالضمير في قاعة البرلمان، هؤلاء هم «الأقلية» بمعناها الأخلاقي لا الإحصائي هم الذين يصرّون على أن يكون للكرامة ثمن لا يُشترى بالمال او يرضخ بالتخويف، بل بالصبر والثبات.
إن الصحفي والمثقف والرسالي الذين يكتبون بضمير يقظ وسط موجة الضغوط والتضليل التي يشهدها العراق والعالم ، هم أقلية.
إن المرأة التي تعتز بهويتها وتهتم بأسرتها وتساند الرجل في مواجهة ظروف الحياة القاسية في عالم يشجع على التعري والتميع باسم الحرية، هي من الأقلية ، وأن المواطن والبسيط والطبيب والاكاديمي والتربوي ورجل الدين والعامل والعالم وغيرهم ، الذين لا يبدلون رأيهم ولا يخونون مبدأهم كلما تغيّرت بوصلة الزمن، هم «أقلية» نادرة.
ليست الأقلية مَن قلّ عددهم، بل مَن قلّ تشابههم مع التيار، مع السوق، مع القطيع، الأقلية ليست مجرد صفة سكانية، بل حالة وعي ونضوج فكري، هي مقاومة داخلية في زمن الانسياق وراء شهوات الحياة واغراءاتها، انها صرخة في وسط صخب المجاملات، وثبات في زمن التكيّف.
إن اختزال «الأقلية» إلى أرقام وقوميات ومذاهب، هو اختزال للمعنى، وفي وجهها الذي نراه اليوم هي أن تكون أقلية في فِكرك وفي وضوحك وفي رفضك للسائد، فكم من شخص وحيد، يقف شامخًا وسط الزيف، يُعادل أمّة من النائمين؟
الواقع اليوم يفرض علينا أن نعيد تعريف المصطلحات.
أن نُعرّف «الأقــــــــلية» لا بحسب عدد مقـــــــاعدها في البرلمان، بل بعـــــدد مبادئها التي لا تفرط بها، ولا بحسب انتماءها العرقي، بل بحسب انحيازها للحق؛ فأعظم الأقليات في التاريخ لم تكن دينية أو قومية بل فكرية، وان من يعيش خارج قطيع التنازل هو جوهر الأقلية.