الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حرية الجامعات وإحيائها بالعلم

بواسطة azzaman

حرية الجامعات وإحيائها بالعلم

عبد الجليل البدري

 

إذا كان العلم نورا، فإن الجامعات هي المصابيح التي تنير دروب الحضارة. ومنع العلماء هو حجبٌ متعمد لهذا النور، وإطفاء للمصابيح، وقطعٌ لجذور الإبداع. فكرة الأستاذ محمد الربيعي التي ترى أن قمع حرية البحث والنقاش داخل الحرم الجامعي يعادل “جامعات بلا علم” تمس جوهر وجود الجامعات ورسالتها. الجامعات الحية تقوم على ثلاث ركائز متكاملة: حرية التفكير، وتبادل الأفكار، والتجديد العلمي. وعندما يُكمَم العلماء وتُمنَع المحاضرات والندوات، تتحول القاعات إلى أضرحة صامتة، ويغيب صوت المعرفة عن فضاء التعليم العالي.

مقترحات عملية لتعزيز التعليم العالي وحرية الأكاديمية

حرية الأكاديمية ليست رفاهية بل شرط لنبض الجامعات وتطورها. فيما يلي مجموعة اقتراحات قابلة للتطبيق لتحصين الجامعات من سياسات الخنق الفكري وضمان بيئة بحثية نابضة:

1. تضييق الإطار القانوني لحرية الأكاديمية

إصدار ميثاق وطني للأكاديمية يضمن صون حرية البحث والتدريس والنشر.

وضع قواعد واضحة لحق الضيوف الزائرين في إلقاء المحاضرات دون رقابة مسبقة أو إلغاء التعسفي.

توفير حماية قانونية لأعضاء هيئة التدريس والباحثين من أي إجراء تأديبي بسبب آرائهم العلمية.

2. تعزيز حوكمة مؤسسية شفافة ومستقلة

تأسيس مجلس أكاديمي منتخب داخليا يضم طيفا واسعا من التخصصات للنظر في ممارسات الحرية البحثية.

ندوات مفتوحة

إقرار لجان رقابة داخلية لتمكين أساتذة وطلاب من رفع قضايا القمع أو المنع دون الخوف من الانتقام. بناء شراكات مع جامعات دولية مرموقة لضمان معايير حوكمة وأخلاقيات بحثية عالمية.

3. إحياء ثقافة النقاش وتبادل الأفكار

إطلاق منصات دورية لندوات مفتوحة (سينماء علمية، منتديات شهرية) يديرها طلاب ومنظمات بحثية مستقلة.

تشجيع برامج التبادل الأكاديمي مع جامعات خارجية تدريجيا، تمهيدا لاستقدام محاضرين عالميين إلى الجامعات المحلية.

تضمين وحدات في المناهج الدراسية تُعنى بمهارات النقاش والحوارات المفتوحة وتقنيات التفكير النقدي.

4. استخدام التكنولوجيا لتمكين التنوّع الفكري

إنشاء منصة رقمية تجمع محاضرات وورشات عمل لباحثين محليين ودوليين، متاحة للطلاب والأساتذة في أي وقت.

استثمار أدوات التعلم عن بُعد لتجاوز قيود السفر أو الأزمات الأمنية، مع الحفاظ على حرية النقاش عبر غرف افتراضية آمنة.

تشجيع الطلاب على تطوير مشاريع بحثية جماعية عبر الإنترنت مع جامعات عالمية.

5. ضمان جودة البحث والإنتاج العلمي

ربط تمويل المشاريع البحثية بمؤشرات شفافة ومستقلة (مراجعة الأقران، معدل الاستشهاد، الأثر المجتمعي). اعتماد هيئات اعتمادية وطنية وأخرى دولية لمراجعة جودة البرامج الأكاديمية والتأكيد على حيادية المحتوى.

تبني سياسات نشر مفتوح (Open Access) لضمان وصول الجميع إلى نتائج الأبحاث دون حواجز.

الخاتمة

الجامعات بلا علم ليست حالة مؤقتة بل انتحار بطيء للحضارة. إن استعادة حرية الأكاديمية وفتح أبواب النقاش يجب أن يكونا أولى أولويات أي نظام يسعى للتميّز والابتكار. الخيار أمامنا واضح: إما نمنح العلم حرية التنفس، ونسمح للأفكار بالاصطدام، فينبت عن ذلك جيل قادر على قيادة التقدم، وإما نستمر في سياسة الخنق الفكري فنواجه كارثة تعليمية لا تعود منها أمة.

ولتفعيل هذه المقترحات، يمكننا البدء بتشكيل فرق عمل مشتركة من أساتذة وطلاب وأصحاب قرار لصياغة ميثاق حرية أكاديمية، ثم الاطلاع على أفضل الممارسات العالمية في هذا المجال، وتكييفها مع سياقاتنا المحلية. بهذه الخطوات العملية نضمن أن تظل جامعاتنا مصانع عقول حقيقية، لا مقابر صامتة.

 

 


مشاهدات 141
الكاتب عبد الجليل البدري
أضيف 2025/07/23 - 4:34 PM
آخر تحديث 2025/07/25 - 1:52 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 48 الشهر 16263 الكلي 11169875
الوقت الآن
الجمعة 2025/7/25 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير