الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الطريق الصعب نحو الحرية

بواسطة azzaman

الطريق الصعب نحو الحرية

ثامر محمود مراد

 

تعيش المنطقة العربية منذ عقود حالةً من التجاذب بين التبعية والبحث عن السيادة، بين الخضوع للقوى العالمية الساعية إلى فرض مصالحها، وبين محاولات متقطعة لبناء قرار عربي مستقل. وفي هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الأمة، تبرز مفترقات طرق خطيرة، تُرغم الشعوب والحكومات على اتخاذ مواقف مصيرية لا يمكن التراجع عنها دون أثمان باهظة. فالمشهد الإقليمي والدولي اليوم مرسوم بخطوط قوى كبرى، تملك أدوات السيطرة، وتستخدم وسائل شتى لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية وفق رؤيتها، بغض النظر عن طموحات الشعوب أو تضحياتها.

ما يُفرض على العرب اليوم ليس مجرد اتفاقيات أو تحالفات، بل إعادة هيكلة شاملة للمنطقة: حدود جديدة، أنظمة جديدة، تحالفات تتناقض مع التاريخ والهوية. هذا التحول لا يأتي بالحوار ولا بالرضا، بل بالقوة، التي قد تتخذ شكل الضغوط الاقتصادية، أو التدخلات العسكرية، أو العقوبات، أو إثارة الفوضى من الداخل. وما كان يُعدّ في الماضي انتهاكاً صارخاً للسيادة أصبح اليوم يُسوَّق كـ»حل واقعي» أو «فرصة تاريخية» للاندماج في نظام عالمي جديد.

وفي قلب هذا المشهد، يجد الإنسان العربي نفسه بين خيارين أحلاهما مرّ. الأول، هو الوقوف موقف الرافض، والإصرار على الحفاظ على الكرامة والقرار الحر، رغم علمه المسبق بأن الإمكانات ضعيفة، والتحالفات هشة، والضغوط مهولة. هذا الطريق يعني الاصطدام المباشر مع القوى الفاعلة في العالم، وتحمل كل تبعات العناد السياسي، من عزلة دولية إلى أزمات داخلية وربما صراعات دامية.

أما الخيار الثاني، فهو الانحناء أمام العاصفة، وقبول شروط الخارج، ولو كانت مجحفة. قبولٌ قد يجلب بعض الاستقرار المؤقت أو مكاسب اقتصادية على المدى القصير، لكنه سيعني في جوهره التخلي عن مقومات الاستقلال، وعن الدور التاريخي للأمة في صياغة مستقبلها. ومتى ما تم القبول بهذا المسار، يصبح من الصعب العودة إلى الوراء، لأن النظام الجديد سيُبنى على أسس لا تترك مجالاً لرفض لاحق.

المشكلة ليست فقط في قوة الأطراف المقابلة، بل في واقع عربي مفتّت، غابت عنه الاستراتيجيات بعيدة المدى، وتقدّمت فيه الحسابات الفردية على الرؤى الجماعية. في ظل هذه الانقسامات، تتحول القرارات المصيرية إلى رهانات شخصية، ويضيع الصوت الجمعي وسط ضجيج المصالح الآنية.

ومع ذلك، تبقى الكلمة الأخيرة للشعوب. قد تُخذل اليوم، وقد تُصادر إرادتها تحت شعارات الخوف من البديل، لكنها تظل صاحبة الحق في الحلم والتغيير. ولعلّ التاريخ يعلمنا أن الأمم لا تُقاس بلحظات ضعفها، بل بقدرتها على النهوض بعد كل انكسار.

إن المنطقة العربية أمام امتحان حقيقي للكرامة والوعي والقدرة على الصمود. فإما أن تختار شعوبها الطريق الصعب نحو الحرية، رغم الجراح، أو تُساق إلى مصير لم تختَره، وتُجبر على التعايش مع واقع يُراد لها أن تقبله كقدر لا مفر منه.

 

 

 


مشاهدات 58
الكاتب ثامر محمود مراد
أضيف 2025/06/16 - 3:56 PM
آخر تحديث 2025/06/17 - 5:08 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 448 الشهر 11101 الكلي 11145755
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/6/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير