الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الهدنة التي لم تهدأ

بواسطة azzaman

الهدنة التي لم تهدأ

سيف الحمداني

 

حين تُطلق الكلمات بدل الصواريخ، لا يعني ذلك أن الحرب قد انتهت. بل ربما تكون قد انتقلت إلى مرحلة أخرى، أكثر ضبابية وأشدّ تعقيدًا. هذا ما تشي به الوقائع في الساعات والأيام التي تلت إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل في الرابع والعشرين من حزيران الجاري، بوساطة أمريكية وقطرية، دون أن يتوقف تمامًا دوي الانفجارات أو تنحسر غيوم التوتر.

في الظاهر، توقفت الحرب. في العمق، لا شيء يدل على أن الصراع طُوي. بل يبدو أن ما تحقق هو مجرد «فاصل صمت» بين جولتين، وليس اتفاقًا على نهاية المعركة.

إعلان بلا اتفاق

الهدنة التي رُوّج لها بوصفها إنجازًا دبلوماسيًا لم ترتكز إلى اتفاق مكتوب، ولا إلى تفاهم سياسي بين الطرفين. فلم تعلن إيران التزامًا صريحًا بها، واكتفى المسؤولون الإسرائيليون بالقول إن العمليات حققت معظم أهدافها، من دون تأكيد واضح على الالتزام بوقف دائم للعمليات.

ومع أولى ساعات الإعلان، تواترت التقارير عن قصف إسرائيلي استهدف مواقع في سوريا يُشتبه بارتباطها بالحرس الثوري الإيراني، في حين ردّت إيران أو حلفاؤها بإطلاق صواريخ باتجاه مناطق شمال ووسط إسرائيل. ما يشير إلى أن الهدنة لم تلامس أرض الواقع، بل بقيت معلّقة في سماء السياسة.

هدنة دون حسم.. وصراع بلا نهاية

الصراع بين إيران وإسرائيل لا يدور فقط حول حدود أو نفوذ. إنه نزاع مركّب يتقاطع فيه الأمن بالاستراتيجية، والدين بالهيمنة، والداخل بالإقليم. ولذلك، فإن مجرد توقف إطلاق النار لا يعني أن أي طرف قد انتصر أو تراجع.

إيران خرجت من الجولة وهي تُظهِر قدرتها على الوصول إلى العمق الإسرائيلي، متجاوزة أدوار الوكلاء. وإسرائيل، رغم الضغط الداخلي والخسائر، حافظت على قدرتها العسكرية واستمرت بضربات استباقية خارج حدودها.

لكن هذه الجولة لم تنتهِ بغالب أو مغلوب، بل بخشية متبادلة من الظهور في موقع الخذلان أمام الرأي العام. وهكذا، صار الطرفان حريصين على تأطير نتائج المواجهة داخل رواية «الانتصار الرمزي»، في ظل غياب حسم حقيقي أو تهدئة مستقرّة.

سيناريوهات ما بعد الهدنة

الوضع الحالي لا يوحي بأن الأطراف بصدد توقيع سلام دائم، بل يُرجّح أن تشهد المرحلة المقبلة أحد السيناريوهات التالية:

استمرار الاشتباكات المحدودة في سوريا أو العراق أو من خلال فصائل غير رسمية، دون تصعيد مباشر واسع النطاق.

حرب إعلامية ونفسية لتعزيز الردع وتشكيل تصوّرات داخلية عن النصر والاستعداد.

عودة العمل عبر الوكلاء، إذ يُتوقع أن تشهد جبهات جنوب لبنان وغزة والعراق تحركات جديدة، مع بقاء إيران وإسرائيل في موقع القيادة الخلفية.

محاولات دبلوماسية دولية لتحويل الهدنة المؤقتة إلى اتفاق طويل الأمد، وهو أمر يصطدم حتى الآن بعدم استعداد الطرفين للتنازل أو تقديم ضمانات صلبة.

الداخل يحكم الخارج

أحد المحددات الأساسية في هذا الصراع هو الداخل السياسي للطرفين. ففي طهران، ما زالت القيادة تحت ضغط الشارع المتحمّس لـ»الثأر»، بينما تسعى المؤسسة السياسية لضبط الإيقاع دون خسارة الوجه. وفي تل أبيب، تعيش حكومة نتنياهو حالة من الانقسام والتململ، جعلت من التهدئة خيارًا مؤقتًا أكثر من كونه تحولًا استراتيجيًا.

وبين حسابات الداخل والخارج، تظل المنطقة رهينة قرارات قد تُتخذ بعيدًا عن منطق العقل، وتحت تأثير مشاعر الانتصار أو الخوف من الخذلان.

ختامًا: صمت لا يطمئن

«الهدنة التي لم تهدأ» ليست توصيفًا أدبيًا، بل واقع يُترجم في كل صاروخ يُطلق بعد إعلان وقف إطلاق النار، وفي كل تصريح رسمي لا يُغلق باب الاحتمالات. هي هدنة مُعلنة من طرف، ومُختبرة من الطرف الآخر، ومهددة بانفجار جديد في كل لحظة.

وحتى تُبنى تهدئة حقيقية على أساس تفاهمات واضحة، يبقى الصمت الحالي مشوبًا بالقلق، لا حاملًا للطمأنينة. وربما يكون السؤال الأكثر واقعية الآن ليس «هل انتهت الحرب؟»، بل: متى تبدأ الجولة التالية؟ وعلى أي أرض، وبأي أدوات؟


مشاهدات 98
الكاتب سيف الحمداني
أضيف 2025/06/28 - 12:16 AM
آخر تحديث 2025/06/28 - 5:40 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 144 الشهر 17171 الكلي 11151825
الوقت الآن
السبت 2025/6/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير