الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
دور الأكاديميين المتقاعدين في بناء الدولة المدنية

بواسطة azzaman

دور الأكاديميين المتقاعدين في بناء الدولة المدنية

تحليل للإسهامات العراقية في قطاع التعليم

 

عبد الجليل البدري 

 

يحتل الأكاديميون المتقاعدون مكانةً بارزة في بنية الدول التي تسعى إلى التحول نحو المدنية والاستدامة المعرفية. وفي العراق، حيث يمر المجتمع بمخاض إعادة بناء مؤسسات الدولة وبسط نموذج الدولة المدنية، تتجلى الحاجة الماسة لاستثمار خبرات الأكاديميين المتقاعدين، سواء داخل الوطن أم في الخارج، باعتبارهم مخزونا استراتيجيا للمعرفة والقيادة والخبرة الميدانية. لقد تبلورت أدوار هؤلاء في دعم التعليم العالي، إثراء السياسات التعليمية، بناء البنية التحتية للبحث العلمي، نقل الخبرات الدولية، وتفعيل الشراكات الأكاديمية. يجمع هذا التقرير إسهامات رمزية ونوعية لمجموعة من الأكاديميين العراقيين المتقاعدين ويتناول الأنشطة الجماعية التي أسهمت (وتسهم) في هذا التحول، كما يسلط الضوء على نماذج عالمية ويوصي باستراتيجيات لتأطير هذه الجهود ضمن سياسة وطنية مستدامة لبناء دولة مدنية قوية وحديثة.

الأكاديميون المتقاعدون وثروة الدولة المدنية

المفهوم والدلالة الوطنية

ينظر للأكاديميين المتقاعدين في الدول المتقدمة كـ»ذاكرة معرفية حيَّة» و»مرآة لتاريخ التعليم والقيادة والتفكير»، كما جاء في مقالات وتحليلات حديثة حول التجربة العراقية والعالمية. بعيداً عن مقولة أن التقاعد نهاية للعطاء، فهو نقطة انطلاق دور أوسع وأعمق في خدمة المجتمع. في الدولة المدنية النابضة، يُفَعِّل الأكاديميون المتقاعدون حضورهم في مجال رسم السياسات، تقييم الأداء الجامعي، رعاية القيادة الأكاديمية الشابة، وإلهام الابتكار من خلال التجربة والنضج الفكري والمنهجي.

تُشير التجارب العالمية في ألمانيا واليابان وفرنسا وأستراليا إلى دمج النخب الأكاديمية المتقاعدة في مجالس التخطيط والتعليم، ولجان التقييم، ومبادرات نقل ونشر المعرفة، بحيث يستفيد المجتمع الأكاديمي والشباب من تفاعل الأجيال والخبرات. إن تجاهل هذه الشريحة يعد خسارة جسيمة لرأس المال البشري وصانعًا لفجوات في التنمية والبحث والابتكار. في العراق، تركيز استدامة المعرفة يتطلب تحفيز وتفعيل كامل الاحتياطي العلمي والقيادي للأكاديميين المتقاعدين داخل البلاد وخارجها.

المبادرات والأنشطة الجماعية للأكاديميين المتقاعدين

تأسيس رابطة الأكاديميين المتقاعدين في العراق

سُجل في العراق لأول مرة تأسيس رابطة رسمية للأكاديميين المتقاعدين عام 2023 بحضور حشد من القيادات الجامعية وممثلين عن مختلف الجامعات العراقية. عكست هذه المبادرة إيمانًا عميقًا بمكانة الأستاذ الجامعي، وهدفت لنشر جودة التعليم وترصينه وفق المعايير الدولية. تلتزم الرابطة بنهج أكاديمي مستقل وتسعى لتحقيق مصالح المتقاعدين وتفعيل دورهم المجتمعي، كما تعد قناة للتواصل والتنسيق مع نقابة الأكاديميين وغيرها من الجهات المعنية باستثمار الخبرات، وضمان حقوق النخبة العلمية العراقية.

المشاركون المؤسسون للرابطة شملوا وزراء ووكلاء وزارات ومستشارين ورؤساء جامعات وعمداء كليات ورؤساء أقسام حاصلين على أوسمة من جامعات وجمعيات دولية. وهؤلاء النخبة لديهم عشرات المؤلفات وبراءات الاختراع وأشرفوا على مئات الأطروحات وساهموا في تخريج آلاف الكفاءات، فضلاً عن مشاركتهم في مئات المؤتمرات العلمية المحلية والدولية. تسعى الرابطة لجمع كل هذه الطاقات لاستثمارها في تنشيط حركة التنمية وتأهيل الأجيال لتحقيق صورة العراق الجديد.

رابطة الاكاديميين العراقيين في المملكة المتحدة وتجمع أهل الموصل

لعبت رابطة الاكاديميين العراقيين في المملكة المتحدة دوراً محورياً في ربط الأكاديميين بالخارج مع القضايا الوطنية، لا سيما عبر مؤتمرات نوعية مثل مؤتمر المياه، وجمع الكتب لإعادة تأهيل مكتبة جامعة الموصل بعد الدمار، ونداءات لمشاركة الخبرات مع الجامعات العراقية. كما تميز تجمع أهل الموصل بالمبادرات المجتمعية والعلمية للمساهمة في عملية إعادة الإعمار الثقافي والاجتماعي، ضمن مشروع «إحياء روح الموصل» الذي كان محط دعم من منظمات دولية وتعاون أكاديمي متعدد المستويات.

ورش العمل الدولية: ورشة مؤسسة الرؤيا حول المياه برزت ورشة عمل دولية نظمتها مؤسسة الرؤيا كمثال عملي على التعاون البحثي والشراكة بين الخبرات الأكاديمية العراقية والدولية، حيث ناقش المشاركون حلولاً لأزمة تلوث المياه وضمان حقوق العراق المائية، بحضور خبراء عراقيين من الداخل والخارج ناقشوا أهمية تبني البحوث التطبيقية في رسم سياسات إدارة الموارد البيئية المستدامة، وبمشاركة الملحقية الثقافية العراقية في لندن وسفارة العراق ونخبة من المختصين.

نموذج إعادة إحياء جامعة الموصل: جهود جماعية

يُعد مشروع إعادة إحياء جامعة الموصل ومكتبتها الوطنية مثالاً بارزاً لتكاتف الأكاديميين العراقيين في الداخل والخارج والجمعيات الأكاديمية الدولية، حيث تمت حملات جمع الكتب من أكبر المراكز البحثية في المملكة المتحدة وإرسالها للموصل، وبينما تولت السفارة العراقية التنسيق وتوفير الموارد اللوجستية، انخرط أعضاء الرابطة والمجتمع المدني في إعداد وتصنيف وإرسال شحنات الكتب والمخطوطات لدعم العملية الأكاديمية في المدينة.

الإسهامات الفردية: نماذج أكاديمية عراقية مؤثرة

الدكتور عبد الهادي الخليلي

يُعد الأستاذ الدكتور عبد الهادي الخليلي من القامات الوطنية والعالمية في مجال التعليم الطبي وتطوير الخدمات الصحية. كرائد أكاديمي، تولى مبادرات كبرى بمجال التعاون الدولي لتحديث مناهج كليات الطب العراقية من خلال الاتصال والشراكة مع كلية طب جامعة إدنبرة البريطانية. ساهم الخليلي في رسم برامج تكامل التربية الطبية والخدمات الصحية واقترح تشكيل لجان خبراء تضم أكاديميين وعاملين ذوي خبرة واسعة لإعادة النظر ومواكبة التطورات العالمية في مناهج الطب وتطبيق الممارسات المثلى في التعليم الطبي. كان للتحديات الأمنية أثر على استدامة بعض الجهود، إلا أنه استمر بالنضال العلمي والفكري لإحداث نقلة نوعية في جودة البرامج الأكاديمية برصانة علمية واستقلال فكري وتحفيز الشراكات الدولية.

الدكتور محمد الربيعي

يعتبر البروفيسور محمد الربيعي أحد أبرز رموز العلم العراقي عالميًا، وهو بروفسور متمرس في الهندسة البايوكيميائية في جامعة دبلن، وزميل معهد كونوي للعلوم الطبية، وخبير لدى اليونسكو، ورئيس شبكة العلماء العراقيين في الخارج. تنوعت مساهماته بين تطوير السياسات التعليمية، وأبحاث الهندسة الحيوية، وتأسيس بنية تحتية بحثية متقدمة على المستوى الأوروبي والدولي. بفضل جهود الربيعي، حاز العراق على اعتراف دولي في مجال البحث العلمي الحيوي وأصبح له حضور ملموس في اللجان الاستشارية الدولية لتوزيع التمويلات البحثية والتخطيط الاستراتيجي للبحث العلمي. كما نشر ما يزيد عن 500 بحث وكتاب وقدم استشارات للوزارات والرئاسة العراقية، وأسهم في وضع سياسات لتطوير منظومة البحث العلمي وتدويل التجربة العراقية.

الأساتذة العراقيون في جامعات هارفرد وMIT وعالمية

سجل الأساتذة العراقيون بصماتهم في أرقى الجامعات والمؤسسات البحثية في هارفرد و MIT وغيرهما من المؤسسات القيادية في العالم. برزت أطروحات وأبحاث عراقية في المجالات الطبية والهندسية والاجتماعية ضمن المراكز الأولى، واحتلت أعلى المراتب في التصنيفات العالمية للأبحاث المقرؤة والمبكرة، كما انخرط هؤلاء في لجان تحكيم عالمية وأشرفوا على مشاريع بحثية مشتركة ونقلوا خبرات الجامعات العريقة إلى العراق والمنطقة العربية.

إن إشرافهم على طلبة الدراسات العليا في العراق والخارج، وكتاباتهم في الصحافة العالمية، فضلا عن حضورهم في الندوات الدولية، جعلهم عناصر فاعلة في تفعيل الشراكات وتوطين العلوم المتقدمة ضمن منظومة البحث العلمي الوطني، وقد تولى العديد منهم مواقع استشارية في مؤسسات سياسات التعليم العالمية، مما أضاف زخماً لسياسات النقل المعرفي والتوأمة المؤسسية.

ليث شبر: رؤية استراتيجية لدور المتقاعدين

طرح الأكاديمي العراقي الدكتور ليث شبر في مقالاته رؤية عميقة لمسألة دمج المتقاعدين الأكاديميين في بناء الدولة المدنية، مؤكدًا أن الخبرة الممتدة لعقود هي رأس مال معرفي لا غنى عنه لقيادة التحول الوطني. ودعا إلى تأسيس مجلس وطني للمتقاعدين الأكاديميين أو بنك خبرات وطني يمكن للدولة عبره استثمار هذا المخزون الاستراتيجي، مقارنًا بتجارب دول متقدمة مثل ألمانيا واليابان حيث النتائج ملموسة في تعزيز السياسات وتجويد الأداء المؤسسي واستدامة التنمية المعرفية.

تحليل الأدوار والمسارات في تطوير السياسات التعليمية

ساهم المتقاعدون الأكاديميون بشكل ملموس في رسم السياسات التعليمية وتقديم الاستشارات للوزارات والمؤسسات التربوية، مستندين إلى تجارب طويلة في التعليم والبحث والإشراف الأكاديمي الدولي. كان لدكتور عبد الهادي الخليلي دور فعّال في الدفع بتحديث مناهج كليات الطب عبر التعاون مع مؤسسات عالمية، مستندًا إلى رؤية تؤمن بأن التطوير لا يتم إلا بعد استثمار خبرات الداخل والخارج معًا. ورغم الصعوبات الأمنية والسياسية، ظلت توصياته تحظى بالاحترام والتطبيق ضمن كثير من برامج الوزارة، مؤيدًا فكرة تشكيل لجان قطاعية يقودها خبراء لديهم «باع في التربية والتعليم» بعيدًا عن التعيينات الإدارية البحتة. الدكتور محمد الربيعي مثّل نموذجا لاستثمار المعرفة والخبرة في السياسات التعليمية عبر منصبه كمستشار في وزارتي التعليم العالي ورئاسة الجمهورية، وعضويته في الهيئات الاستشارية الدولية. وامتد تأثيره إلى نقل منهجيات الجودة ومعاييرها من المنظومات الغربية إلى العراق والعالم العربي، مقترحًا تعديلات في السياسات تسهم في مواءمة المخرجات مع المتطلبات العالمية. ترتكز خبرة هؤلاء الأكاديميين على تراكم المعرفة ومعايشة التحولات العالمية في هيكلة الجامعات، حيث يقدمون نماذج في تشخيص مكامن القصور واقتراح الحلول المبتكرة القائمة على أفضل الممارسات. كما أن تواجدهم الفعلي في شبكات رسم السياسات ولجان تقييم الجودة يعد ضمانة لفعالية السياسات التعليمية المعتمدة.

في بناء البنية التحتية البحثية

كان للأكاديميين المتقاعدين دور أساسي في دعم البنية التحتية البحثية للعراق. شارك العديد منهم في تأسيس وإدارة مختبرات عريقة داخل الجامعات العراقية، ورصد الفجوات وتخطيط احتياجات القطاع البحثي، والتواصل مع المجتمع البحثي الدولي لاستقطاب المنح وإدخال التقنيات المتقدمة. فقد أسهمت مساهمات د. الربيعي ومجموعته البحثية، وكذلك خبرات رابطة الأكاديميين العراقيين في الخارج، في تحديث مختبرات الكيمياء والهندسة الحيوية وتطوير الشراكات مع جامعات أوروبية مرموقة. وتولى كثير منهم الإشراف المباشر أو الافتراضي على مشاريع أبحاث داخل العراق والمشاركة في تدريب العاملين المحليين على التقنيات الجديدة.

تتّضح أهمية مشاركة المتقاعدين في إعادة تأهيل المكتبات الوطنية والجامعية عند دراسة تجربة إعادة إعمار مكتبة الموصل وإعادة بناء مراكز الوثائق والأرشيف العلمي المدمر، والتي اعتمدت بشكل كبير على علاقات الأكاديميين بالخارج وشبكات دعمهم المالية والمعرفية.

في نقل الخبرات الدولية

أسهم الأكاديميون المتقاعدون في تأمين قنوات لنقل المعارف والمهارات عبر التوأمة مع جامعات أجنبية، وإعداد برامج تدريبية متبادلة، وإدارة فرق بحث دولية تضم عراقيين وأجانب للعمل على مشاريع ذات أثر وطني. لعبت الملحقية الثقافية العراقية في بريطانيا وجمعيات العلماء العراقيين في المملكة المتحدة دوراً محورياً في هذا الصدد، حيث بادرت لتنظيم ورش عمل حول قضايا مشتركة (كالمياه والبيئة والطاقة) ونقلت مضامين الأبحاث الحديثة إلى الداخل العراقي. كما أن بعض السياسات الوزارية الحديثة تم اشتقاقها من نتائج مؤتمرات دولية وإقليمية حضرها أكاديميون متقاعدون سواء كمحاضرين أو كمستشارين.

من الأمثلة المميزة، التعاون بين جامعة بغداد وكلية طب إدنبرة لتطوير المناهج، وبرامج تدريب الكوادر وتبادل الزيارات العلمية مع عدد من الجامعات البريطانية، والتواصل مع البرامج الدولية مثل DAAD الألماني الذي أتاح فرص تمويل وبعثات بحثية استفاد منها الجامعيون العراقيون بفضل جهود الأكاديميين المتقاعدين في تهيئة الطلبة والشباب للاستفادة القصوى من هذه الشراكات.

في تفعيل الشراكات الأكاديمية

تجلت أهمية الشراكات الأكاديمية (سواء بين الجامعات العراقية أو مع مؤسسات عالمية) في نقل الممارسات الفضلى، وإرساء تعاون بحثي طويل الأمد، وتبادل الأساتذة والطلبة، وتطوير مناهج متعددة التخصصات. وأكدت وزارة التعليم العالي مراراً على استراتيجية «تنمية الشراكات وتبادل الخبرات الدولية»؛ وهي سياسة تعتمد في جوهرها على مخرجات خبرات الأكاديميين المتقاعدين وديناميكية علاقاتهم الدولية. هؤلاء يقومون بدور العقدة المفصلية للشراكات ويساهمون في فتح آفاق برامج التوأمة المزدوجة وبرامج الدكتوراه المشتركة والمنح التعاونية.

سيناريوهات التعاون هذه ليست مجرد رؤية طموحة بل تحققت فعليا من خلال دعم البرامج التطبيقية، وتنظيم المؤتمرات الثنائية، وتسجيل اختراعات علمية باسم المؤسسات العراقية بالشراكة مع جامعات في بريطانيا وأمريكا وغيرهما. كما أمكن عبر الشراكات تفعيل برامج نقل التكنولوجيا، والتدريب الفني، وتطوير قدرات الباحثين الشباب المحليين ليصبحوا منافسين عالمياً.

تحويل الجهود الأكاديمية إلى استراتيجية وطنية مستدامة

التحديات الحالية في العراق

رغم الجهود المبذولة من الأكاديميين المتقاعدين والفاعلين، هناك جملة من التحديات تقف حائلاً دون توطيد أثرهم في بناء دولة مدنية مؤسسية مستدامة:

•             ضعف القنوات التنظيمية والرسمية التي تتيح إدماج الأكاديميين المتقاعدين بشكل مؤسسي في السياسات الحكومية وصناعة القرار التعليمي والبحثي.

•             تغليب الاعتبارات البيروقراطية والمنطق الوظيفي على حساب الرؤية المعرفية النوعية، حيث يتم أحياناً تجاهل المتقاعدين أو اعتبارهم خارج دوائر التأثير.

•             غياب إستراتيجية وطنية متكاملة تستند إلى قواعد بيانات دقيقة للخبرات المتقاعدة وإلى آليات استثمار هذا المخزون الاستراتيجي بشكل منهجي ودائم، بعكس ما هو معمول به في تجارب عالمية مثل ألمانيا والكويت ودول آسيا المتقدمة، حيث أنشئت مجالس وجمعيات متخصصة لإدارة هذه الطاقات عبر «بنوك خبرات وطنية» أو «مجالس استشارية عليا».

•             القصور في التكامل بين القطاعين التعليمي والاقتصادي، وهو ما يؤخر انضواء المتقاعدين الأكاديميين في المشروعات الإنتاجية والاستشارات الحقيقية.

من الرؤية إلى التطبيق: الدروس المستفادة من النماذج العالمية

توفر التجارب الدولية دلائل على جدوى تأسيس مجلس وطني أو بنك خبرات للمتقاعدين الأكاديميين. ففي الكويت، تم توقيع شراكات بين المجلس الأعلى للتخطيط ومشروع «خبرات» لاستغلال خبرات المتقاعدين بإسنادهم مهام استشارية، ومراجعة وتقييم السياسات السنوية، والمساهمة في قيادة المشروعات الكبرى. وفي ألمانيا، يسهم المتقاعدون في تطوير أنظمة التعليم وسد الفجوات البحثية عبر برامج مستدامة تشجع المشاركة المجتمعية وتحفز الشراكات مع القطاع الخاص.

عناصر الاستراتيجية الوطنية المستدامة للعراق

1.            إنشاء مجلس أو منتدى وطني للمتقاعدين الأكاديميين يعمل كمحور مركزي لجمع وتوظيف الخبرات.

2.            قاعدة بيانات وطنية رقمية ترصد وتحدّث ملفات الأكاديميين المتقاعدين وتدير عملية توزيع الاستشارات والمهام التخصصية حسب احتياج المؤسسات.

3.            إعتماد نظام امتيازات فعال يشمل عضوية في البنية التحتية البحثية، وتحفيز الاستمرار في الإشراف والتحكيم والنشر والعضوية في اللجان الوطنية والدولية.

4.            تشجيع الشراكات المؤسسية بين الجامعات المحلية والدولية عبر برامج توأمة، تفعيل بعثات تبادلية، ودعم المنح البحثية المشتركة والتي يديرها أو يشرف عليها أكاديميون متقاعدون.

5.            التوثيق المستمر والتقييم الدوري للمنجزات عبر تقارير مؤسسية شفافة، وربطها بمؤشرات قياس أداء واضحة تسهم في إعادة هيكلة العملية التعليمية والبحثية وفقًا لأفضل الممارسات الدولية.

التوصيات التنفيذية

1.            إدماج رابطة الأكاديميين المتقاعدين في العراق ضمن الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي، بحيث تكلف بوضع برامج تشغيل للكفاءات ومتابعة مخرجاتها بشكل دوري مستقل.

2.            تفعيل دور الأكاديميين المتقاعدين في رسم وإشراف السياسات التعليمية عبر تشكيل لجان استشارية وتقييمية دائمة تستفيد منها مؤسسات الدولة المدنية في التخطيط والرقابة والتحكيم.

3.            تقديم حوافز ملموسة للأكاديميين المتقاعدين تشمل عضوية مدى الحياة في المكتبات والمنظومات العلمية، والترشيح الدائم للجوائز الوطنية والإقليمية، وإتاحة منصات النشر والمشاركة الأكاديمية.

4.            وضع خارطة طريق وطنية للشراكات الأكاديمية، يُكلف فيها المتقاعدون الخبراء ببناء الجسور مع الجامعات العالمية وإدارة التوأمات والبرامج الدولية، وتوثيق هذه التحركات ضمن سجلات وطنية للمتابعة والتقييم.

5.            إدراج التجربة العراقية ضمن التقارير السنوية لمؤسسة الرؤيا وجمعية العلماء العراقيين في الخارج، بغرض تسليط الضوء إعلاميًا وأكاديميًا على المنجزات ودعم السياسات الوطنية بآراء رصينة من نخبة المتقاعدين.

6.            تأسيس برامج احتضان للبحث العلمي والابتكار يديرها أكاديميون متقاعدون تهدف إلى رعاية المواهب الأكاديمية الشابة وتوفير منصات تدريب وتطوير مستدامة وفق المعيار الدولي.

الخلاصة: الاستدامة المدنية تبدأ بخبرة المتقاعدين

تؤكد التجربة العراقية—مدعومة بمقاربات عالمية ونجاحات عديدة لمبادرات الأكاديميين المتقاعدين—أن استثمار هذه الكتلة البشرية والمعرفية هو طريق استدامة رأس المال الفكري، وهي ضامن لتقدم منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والمؤسسات الوطنية. بناء الدولة المدنية لا يكون إلا بتكامل الجيل الخبير مع الجيل الطموح، عبر بنية تحتية متكاملة تضمن العدالة والمعرفة والإبداعية والانفتاح على التجارب الدولية.

وبينما يتسارع إيقاع التحولات العالمية، يصبح الأكاديميون المتقاعدون نقطة ارتكاز لا غنى عنها لقيادة التغيير والمساهمة في وضع العراق على خارطة التقدم العلمي العالمي، بشرط تأطير جهودهم ضمن استراتيجية وطنية مستدامة تشركهم في التخطيط وصنع القرار والرعاية المؤسسية. بهذا فقط يتحول التقاعد من محطة للصمت إلى بوتقة للإنتاج والعطاء والإبداع من أجل عراق مدني متين.


مشاهدات 86
الكاتب عبد الجليل البدري 
أضيف 2025/09/13 - 1:02 AM
آخر تحديث 2025/09/13 - 3:46 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 137 الشهر 8733 الكلي 11926606
الوقت الآن
السبت 2025/9/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير