الصين والقمة الكبرى.. قراءة ترامب وتحولات النظام الدولي
محمد علي الحيدري
اجتمعت قوى عالمية كبرى في القمة الصينية الأخيرة بمدينة تيانجين، بحضور الرئيس الصيني شي جينبينغ، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، إلى جانب قادة آخرين، في ما بدا رسالة استراتيجية لا تخطئها العين حول طبيعة التحولات الدولية. هذه القمة، التي جاءت ضمن إطار منظمة شنغهاي للتعاون، تجاوزت الاجتماعات التقليدية للتكتلات الإقليمية، لتشكل منصة لإعادة رسم موازين القوة في عالم متعدد الأقطاب، حيث تُختبر فيه التحالفات القديمة وتولد أخرى جديدة، لا سيما في ظل تحديات اقتصادية وجيوسياسية تتخطى الحدود الآسيوية.
الرسالة التي حملتها بكين عبر هذا الاجتماع كانت واضحة: تعزيز نفوذها الدولي من خلال تقوية الروابط الاقتصادية والسياسية مع روسيا وكوريا الشمالية وإيران، واستعراض قدرتها على جمع مجموعة متنوعة من القوى في إطار رؤية استراتيجية طويلة المدى. الصين لم تعد تكتفي بالدور الإقليمي التقليدي، بل تسعى لتوسيع مجال تأثيرها العالمي، مستندة إلى طموح اقتصادي هائل وقدرات دبلوماسية محسوبة، في محاولة لإعادة تشكيل النظام الدولي وفق معايير أكثر تعددية، وابتعادًا عن الأحادية الغربية.الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في المقابل، أظهر قلقه العميق من هذه الديناميكية الجديدة. تصريحه بأن القمة تمثل تحالفًا ضد مصالح الولايات المتحدة يعكس رؤية واشنطن التقليدية للصين كقوة منافسة استراتيجية، لكنه في الوقت نفسه يسلط الضوء على التحدي الذي يفرضه تصاعد النفوذ الصيني في البُعدين السياسي والاقتصادي. قراءة ترامب لهذا الحدث، على الرغم من لهجتها التصعيدية، تُظهر إدراكًا لأهمية التحليل الاستراتيجي للخطوات الصينية قبل الوصول إلى أي استنتاجات أو اتخاذ إجراءات عملية، وهي قراءة تسعى إلى تقييم التوازنات قبل الانخراط في أي مواجهة مباشرة.من زاوية أعمق، تكشف هذه القمة عن تحول في قواعد اللعبة الدولية، إذ لم تعد الاجتماعات الداخلية للدول الكبرى مجرد شؤون داخلية، بل أصبحت أدوات لإرسال رسائل سياسية واقتصادية وعسكرية إلى العالم. التحالفات التي تشكلت أو تعززت في تيانجين تشير إلى استعداد الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية للتنسيق في عدد من القضايا الإقليمية والدولية، وهو ما يفرض على الولايات المتحدة إعادة النظر في أدوات نفوذها التقليدية، سواء من خلال التحالفات الاقتصادية أو الضغوط الدبلوماسية.في هذا السياق، يمكن القول إن العالم يشهد نقطة تحول جوهرية، حيث يلتقي الطموح الصيني بقيادة النظام الدولي الجديد مع ردود فعل غربية دفاعية، يتصدرها ترامب، في سعي لتقييم المخاطر وإعادة ترتيب أوراق النفوذ. المستقبل القريب سيحدد ما إذا كانت هذه القمة بداية نظام دولي أكثر توازنًا متعدد الأقطاب، أم أنها ستسهم في تكثيف التنافس، وإعادة رسم خطوط الصراع في جغرافيا القوة العالمية.