التحليل الاستراتيجي للصراع الإيراني الإسرائيلي

محمد عبد الجبار الشبوط

 

مقدمة: من الصراع العربي الإسرائيلي إلى الصراع الإيراني الإسرائيلي

لطالما كان الصراع العربي الإسرائيلي هو العنوان الأبرز للتوتر في الشرق الأوسط خلال القرن العشرين بل منذ ايام السلطان عبد الحميد الثاني الذي وقف بقوة ضد الأطماع الصهيونية في فلسطين، حيث احتلت قضية فلسطين مركز هذا الصراع، وشاركت فيه أنظمة عربية متعددة بصورة مباشرة أو غير مباشرة. لكن مع بدايات القرن الحادي والعشرين، تراجعت مركزية الصراع العربي الإسرائيلي، إما بسبب تحوّل أولويات الأنظمة العربية، أو نتيجة توقيع اتفاقيات سلام أو تطبيع، كما حدث مع مصر والأردن ثم لاحقًا مع الإمارات والبحرين والمغرب.

في المقابل، تصاعدت حدة الصراع بين إسرائيل وإيران، بعد الثورة الاسلامية بقيادة الامام الخميني، حتى بات يُنظر إليه اليوم باعتباره الصراع المركزي الجديد في المنطقة. فإيران، باعتبارها قوة إقليمية صاعدة، تتبنى خطابًا معاديًا لإسرائيل، وتدعم قوى مسلحة مناهضة لها في لبنان وفلسطين وسوريا واليمن. وإسرائيل، من جهتها، ترى في البرنامج النووي الإيراني تهديدًا وجوديًا لا يمكن التهاون معه، وتعمل على مواجهته عبر تحالفات، وعمليات سرية، وضربات عسكرية مباشرة.

وهكذا، فإن الصراع الإيراني الإسرائيلي لا يدور فقط حول أسلحة أو حدود، بل حول النفوذ، والردع، والهيمنة الإقليمية، وهو اليوم يُعد الأكثر خطورة واستمرارية، ويحمل في طياته احتمالات لتوسّع غير مسبوق قد يطال الخليج وشرق المتوسط، ويؤثر على الأمن العالمي بأسره.

الهدف الاستراتيجي لكل طرف

أولاً: الهدف الاستراتيجي لإسرائيل

1. منع إيران من امتلاك السلاح النووي: تعتبره تهديدًا وجوديًا.

2. تفكيك البنية العسكرية الإيرانية في سوريا ولبنان والعراق.

3. ردع خصومها الإقليميين عبر قوة السلاح وعمليات الردع الاستباقي.

4. تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية كقوة قادرة على التحرك المستقل.

ثانياً: الهدف الاستراتيجي لإيران

1. الاحتفاظ ببرنامج نووي يُمكّنها من ردع أي تهديد محتمل.

2. ترسيخ نفوذها الإقليمي من خلال دعم 'محور المقاومة'.

3. فرض معادلة ردع متبادلة مع إسرائيل.

4. إضعاف التحالفات الإسرائيلية-الخليجية وكسر مسار التطبيع العربي.

خلاصة مقارنة

- إسرائيل تسعى إلى تحجيم الخطر الإيراني عبر أدوات عسكرية ودبلوماسية استباقية.

- إيران تحاول تثبيت مكانتها الإقليمية واستخدام الصراع كورقة نفوذ في التفاوض والمواجهة.

- التوازن هش، وأي خطأ في الحسابات قد يشعل صراعًا أوسع يتجاوز حدود البلدين.

الجولة الحالية من الصراع

السؤال عن الهدف الاستراتيجي لكل من إيران وإسرائيل في هذه الحرب هو مفتاح فهم مسارها واحتمالات تطورها. نوضح فيما يلي أهداف كل طرف على المستويين العسكري والسياسي-الاستراتيجي:

الهدف الاستراتيجي لإسرائيل

1. منع إيران من امتلاك السلاح النووي

هذا هو الهدف الأول والأهم لإسرائيل، ويُعتبر “خطًا أحمر وجوديًا”.

ترى إسرائيل أن وجود إيران نووية يعني فقدان التفوق الاستراتيجي وتوازن الردع مع أطراف غير عقلانية (حسب تعبير قادتها).

2. تفكيك البنية العسكرية الإيرانية في المنطقة

خصوصًا في سوريا ولبنان والعراق، حيث تعمل إيران على بناء قدرات هجومية عبر الحرس الثوري والمليشيات الحليفة.

الهدف هو منع “طوق ناري شيعي” يطوّق إسرائيل من الشمال والشرق.

3. ردع الخصوم الإقليميين الآخرين

من خلال توجيه ضربات قوية لإيران، تسعى إسرائيل لإرسال رسالة قوية إلى حزب الله، حماس، والحوثيين بأن أي تهديد مماثل سيُقابل بردّ ساحق.

هذا الردع يُعدّ جزءًا من استراتيجية “الضربة الاستباقية”.

4. تعزيز موقع إسرائيل الإقليمي والدولي

بإظهار قدرتها على التحرك عسكريًا بمفردها، حتى دون ضوء أخضر أمريكي مباشر، تسعى إسرائيل لتأكيد استقلاليتها ومركزيتها في الأمن الإقليمي.

قد تستخدم ذلك أيضًا كورقة في الداخل لتمتين جبهة الحكومة (خاصة حكومة نتنياهو).

الهدف الاستراتيجي لإيران

1. الاحتفاظ ببرنامجها النووي كورقة قوة

إيران لا تصرح رسميًا بأنها تطوّر سلاحًا نوويًا، لكنها تسعى للاحتفاظ بـ “قدرة نووية كامنة” تمكّنها من التحول السريع إلى السلاح إذا لزم الأمر.

الهدف هو ردع الهجوم الشامل عليها، وتعزيز مكانتها الإقليمية.

2. ترسيخ نفوذها الإقليمي عبر “محور المقاومة”

تسعى إيران لتأكيد نفسها كقوة إقليمية عظمى عبر دعم حلفائها (حزب الله، الحوثيين، الحشد الشعبي، النظام السوري سابقا…).

هذا النفوذ هو أداة استراتيجية للردّ غير المتماثل ضد إسرائيل وأمريكا.

3. تحقيق ردع مزدوج: عسكري وسياسي

من خلال الرد على الهجمات الإسرائيلية (ولو بشكل محدود)، تريد إيران أن تثبت قدرتها على الردع والثبات.

تسعى لخلق معادلة ردع جديدة، تمنع إسرائيل من ضرب العمق الإيراني دون ثمن.

4. تفكيك التحالفات الإسرائيلية – الخليجية – الغربية

عبر التصعيد المحدود، تحاول إيران خلق توتر في الخليج يُربك علاقات التطبيع (الإمارات، البحرين، السعودية).

الهدف هو عرقلة تموضع إسرائيل كـ”زعيمة أمن إقليمي” في مواجهة إيران.

خلاصة مقارنة:

الهدف      إسرائيل    إيران

نووي       منع إيران من امتلاك القنبلة      الاحتفاظ بالقدرة الكامنة

عسكري ميداني        تدمير البنية التحتية العسكرية لإيران         الحفاظ على منظومة الردع الإقليمي

ردع         إثبات اليد العليا في الردع         فرض كلفة عالية على أي هجوم إسرائيلي

استراتيجي بعيد المدى              ترسيخ الزعامة الأمنية للمنطقة تكريس إيران كقوة إقليمية كبرى

 

 

1️⃣ السياق العسكري والسياسي الحالي

????️ صدمة إسرائيلية مكثفة

في 12-13 يونيو 2025، شنّت إسرائيل عملية “Rising Lion”، حملت ضربات جوية كثيفة استهدفت مواقع عسكرية نووية وأمنية في إيران، منها منشآت تخصيب اليورانيوم في نطنز وضربات لأفراد بارزين في الحرس الثوري وقياداته  .

نتائج ملحوظة: تدمير قدرات دفاعية ومسلّحة وقادة مؤثرين، وتكبيد كلف عسكرية وأمنية استراتيجية لإيران.

إسرائيل تفوقت جوياً، مستندة إلى معلومات دقيقة وتقنيات قوة ردع وطائرات F‑35، بدعم استخباراتي محكم من الموساد

???????? ردّ إيران مدروس

إيران شنّت عملية “الوعد الصادق III”، شملت إطلاق أكثر من 150 صاروخاً باليستياً ومئات الطائرات المسيّرة، استهدفت تل أبيب وقواعد عسكرية  . لكن الردّ لم يزل بحجم كبير، وتم اعتراض غالبية الصواريخ، وأصابها أضرار محدودة .

2️⃣ القوّة النسبية والتوازن العسكري

الجانب     إسرائيل    إيران

الدفاع الجوي           متطورة جدًا، خاصة “القبة الحديدية”        متواضعة بالمقارنة

الهجوم الصاروخي   صواريخ دقيقة وطائرات F‑35 صواريخ باليستية متعددة المدى، ومسيّرات

التحالفات والدعم الدولي           دعم عسكري ودبلوماسي من أمريكا         علاقات جوهرية مع proxies (حزب الله، الحوثيين)

الاستخبارات            شبكة نفوذ داخلية واستخباراتية – عمليات سرية متقدمة            قدرات متزايدة في الصواريخ الهجومية

 

 

3️⃣ الخيارات الاستراتيجية للطرفين

إسرائيل قد تختار:

استمرار الضربات الانتقامية لشل قدرات إيران النووية والعسكرية .

الضغط السياسي من أجل تغيير النظام، مدعوماً بإعلان عن تهديد وجودي وجاذبية محتملة داخل إسرائيل وخارجها .

الحفاظ على الردع المتوازن، استغلال التفوق العسكري لأجل دفع دبلوماسي تجاه اتفاق نووي جديد .

إيران قد تختار:

تكثيف الردع الصاروخي/المسيّر ضد إسرائيل والمصالح الأمريكية أو الغربية في المنطقة .

التصعيد غير المباشر عبر مسارات مثل غزة، لبنان، العراق أو مضيق هرمز، بهدف شل الحركة الاقتصادية الدولية .

الانسحاب نحو التفاوض النسبية، خصوصًا إذا زاد الضغط الداخلي والخارجي، أو اتخذت إسرائيل خيارات استراتيجية غير قابلة للاستمرار .

4️⃣ السيناريوهات المستقبلية

أ. حرب قصيرة مُركّزة

تقتصر على الضربات الجوية والصاروخية المتبادلة، مع بقاء إسرائيل فوق الأرض وامتناع إيران عن تصعيد أوسع.

ب. صراع إقليمي ممتد

يشمل جماعات الوكالة الإيرانية (حزب الله، الحوثيون) والهجمات البحرية على الملاحة، والصراع السوري/العراقي/اليمني.

ج. سباق نووي إيراني

رداً على التدمير أو ضرب منشآت نطنز، إيران قد تتجه نحو إنتاج السلاح النووي كخط دفاع من الدرجة العليا .

د. طريق دبلوماسي لاحق

بعد جولة تصعيد معينة، قد تعود إيران وأمريكا (ومعهم إسرائيل) إلى مفاوضات، رغم الحساسيات المستجدة.

5️⃣ التنبؤات والتحديات

الولايات المتحدة تلعب دوراً محورياً: دعم دفاعي مباشر لإسرائيل، أو ضغوط دبلوماسية على إيران؛ أي تردد قد يؤدي لصراعات أوسع .ردود فعل الدول الإقليمية: بعض دول الخليج تدعم إسرائيل سرًا، لكن لا تريد انفجاراً قد يضرب الاقتصاد أو أمنها الداخلي .

الاقتصاد العالمي: تقلبات النفط والسوق المالية نتيجة التوترات المستمرة عبر مضيق هرمز .

المجتمع الإيراني الداخلي: تصاعد الضغوط الاقتصادية والمخاوف من تصعيد داخلي قد يدفع إيران نحو صفقة احتياطية.

???? خلاصة استراتيجية

في اللحظة الراهنة:

إسرائيل تستغل تفوقها العسكري لفرض خيار مادتين: تعطيل المشروع النووي أو دفع إيران نحو التفاوض.

إيران تتحرك بحذر في الحرب غير المباشرة، بهدف الحفاظ على قدراتها دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة.

المستقبل يعتمد على اختيارات دمج القوة والديبلوماسية:

استمرار الضربات الجوية من إسرائيل قد يدفع إيران لتصعيد غير متوقع أو إلى اللحاق بإرهاب نووي.

توجه دبلوماسي متبادل (تفاوض مثلاً في مسقط أو إسطنبول) ممكن أن يخرج المنطقة من عنق الصراع.