لحظة إعلان خفي
ثامر محمود مراد
في حياة كل إنسان لحظات لا تتكرر، لحظات تتجلى فيها المعاني العميقة بعيدًا عن الأضواء، وتُسكب فيها المشاعر بصمت أشد من كل ضجيج. من بين هذه اللحظات، تبرز تلك التي يختار فيها القلب أن ينحاز، أن يترك الجميع خلفه، ويتجه نحو شخص بعينه، كأنما يرى فيه الوطن، والأمان، وكل ما استعصى على التفسير.
لم تكن مجرد صدفة، ولا لحظة عابرة، بل كانت لحظة إعلان خفي، حين فُتحت أبواب الشعور لشخص دون غيره، ومنحته مكانة لا يرقى إليها أحد. من يدرك قيمة هذه اللحظة، يعرف أنه نال من المجد ما لا يُمنح حتى للملوك. فأن يلتفت إليك قلبٌ كان يستطيع أن يتوزع على العالم، لكنه اختارك وحدك، فذلك شرف لا يُقارن، ونصر لا تُرفع فيه رايات، لكن تُسجل فيه انتصارات الروح.
غير أن كثيرين لا يدركون عظمة ما يُعطَون، فيضيعون اللحظة، ويفقدون الشعور، ويجهلون أن التفاتة واحدة من قلب صادق قد تختصر عمرًا من الانتظار. إن خسارة تلك اللحظة لا تكون إلا خسارة لشيء نادر، نقي، وأصيل.
الحب ليس في الكلمات التي تُقال، بل في الأفعال التي تُختار. حين يتجاهل القلب كل الأصوات، ويصمت أمام الجميع ليتحدث فقط إليك، فقد منحك مجدًا لا يُشترى. ومن يعي تلك الحقيقة، يحافظ على اللحظة كمن يحـــــــــــــــرس كنزًا عزيزًا، ويعيش بعدها عمرًا من الامتنــان.