فاتح عبد السلام
منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، بات في هذه الأيام، محل نقاش في الفضاء الالكتروني وفي بعض المجالس الاجتماعية السياسية العربية، وظهرت مطالبات بانتزاع المنصب من دولة المقر مصر، تأسيساً على سابقة نقل مقر الجامعة من مصر الى تونس، بعد زيارة الرئيس الأسبق محمد انور السادات للقدس والقائه خطابه الشهير أمام الكنيست الإسرائيلي، وبعدها جرى اختيار الدبلوماسي التونسي العريق الشاذلي القليبي أميناً عاماً للجامعة العربية.
وهناك دعوات بانتزاع المنصب من مصر، ترتكز الى ثراء الدول الخليجية ويدها العالية في الاستثمارات الدولية وتحالفاتها القوية مع الولايات المتحدة والغرب، كما ترتكز الدعوات الى ما يبدو تراجع دور مصر في قضايا عربية بحسب تفاسير بعضهم، من دون النظر عميقا الى تغير طبيعة الأدوار الرئيسية لمعظم الدول المحورية في المنطقة
إنّ ملف حرب إسرائيل على قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر 2023
معقد للغاية إزاء العالم كله، وليس مصر وحدها، وقد وضعتها الحرب الكبيرة المستمرة في موقع الوسيط
المحاصر بشروط اسرائيلية، فضلا عن الوضع الجغرافي والتاريخي لمصر مع قطاع غزة، مع بروز التهديد الإسرائيلي الجديد بقضية التهجير.
هناك ملاحظات أساسية متراكمة على عمل الجامعة العربية، تظهر تراجع دورها وتأثيرها، لكن الأسباب لا ترجع الى شخص الأمين العام بقدر رجوعها الى العرب المتشرذمين المتنازعين فيما بينهم، والذين لا يمتلكون رؤية موحدة إزاء قضايا جوهرية تخص مصيرهم ولم يمنحوا جامعة دولهم زخماً دولياً مناسباً.
تبقى مصر العمق العربي المهم والصعب، حتى لو بدا المشهد غير ذي فاعلية اليوم، فالأزمات المرحلية لا يمكن أن تسلب بلداً كبيراً مكانته برغم تأثيراتها القوية عليه.
يجب ان يدعم العرب ارتباط منصب الأمين العام بمصر كدولة مقر، وأن يفكروا في التوافق على منح صلاحيات اعلى للأمين العام، ليس من خلال تغيير النظام الداخلي، بقدر ما يجب ان يكون ذلك من خلال الجدية في دعمه عند حدوث الازمات لكي يضطلع بدور فاعل من دون منغصات وعراقيل، وما اكثرها في دنيا العرب.
الأثرياء يستطيعون شراء الأشياء الباذخة الثمينة، لكنهم لا يستطيعون شراء ظاهرة وجودية او مكانة تاريخية.