الأمير مُظفَّر النوَّاب
حسن النواب
(1)
قبل أيام مضى العام الثالث على رحيل الشاعر مُظفَّر النوَّاب الذي مازالت قصائده تضيء في ذاكرة وقلوب الناس، وهي المرة الأولى التي أكتب عن تفاصيل لا يعرفها الجميع عن الشاعر مُظفَّر النوَّاب، برغم أنَّ هناك الكثير من الناس الذين صادفتهم بحياتي كانوا يضعون أمامي هذا السؤال؛ ماهي صلة القرابة التي تربطك مع الشاعر النوَّاب، بلْ أذكرُ عندما بدأت بنشر قصائدي في الصحف مطلع الثمانينيات، حذَّرني بعض الأصدقاء من كتابة لقب النوَّاب مع اسمي، لأنَّ ذلك سيقود إلى عواقب لا تُحمد عُقباها، وكان جوابي للجميع ماذا أفعل ولقب النوَّاب هو الموجود في جنسيتي العراقية؛ وكان تحذريهم صائباً؛ فلقد تمَّ استجوابي لمرَّاتٍ عدَّةٍ في وحدتي العسكرية ثم في الاستخبارات العسكرية الشعبة الرابعة قرب جسر الكاظمية؛ وكان سؤالهم المتكرر ما هي علاقتي بمظفَّر النوَّاب، وكنت أعرض أمام المحققين هوية الأحوال المدنية التي تشير أنَّ لقب عائلتي هو النوَّاب، وأني كنتُ صبيَّاً عندما غادر النوَّاب البلاد ولا أعرف مدى قرابتي به، بالطبع كنتُ أتظاهر بالمسكنة والبلاهة أمام المحققين حتى أتخلَّص من شرورهم وحقدهم، لكنَّ الأنذال لم يكتفوا بذلك؛ بل وصل الأمر بهم إلى توبيخ أمي رحمها الله التي يعود نسبها إلى عشائر بني تميم؛ لأنها اقترنت برجل يعود نسبه إلى بيت النوَّاب. وأذكر أني التقيتُ مرة مع أحد المسؤولين في الإعلام وهو بدرجة رفيعة وسألني بلؤمٍ عن علاقتي بمُظفَّر النوَّاب؛ وخشيةً من خبثه وزعافِ قلبهِ؛ أجبتهُ بمكرٍ أنَّ أبي لا يحدثنا عن علاقة القرابة مع مُظفَّر النوَّاب مطلقاً؛ ولذا تراني أجهل صلتي مع الشاعر النوَّاب بالضبط ولا أعرف سوى اللقب الذي يجمعنا سويةً في دائرة الأحوال المدنية. وبسبب الضغوط الأمنية والنفسية التي حاصرتنا من كل حدب وصوب، تشاجرت أمي مع أبي رحمهما الله ذات يوم، لتطلب منهُ استبدال لقب النوَّاب من الجنسية مثلما فعل الكثير مقابل رشوة بسيطة؛ فأجابها والدي غاضباً وهل استبدل لقب الملوك لأكون خاضعاً لتسمية عشيرة أخرى، هيهات وهيهات هذا نسبي والذي ينكر أصله ليس من ظهر أبيه. وهكذا قاومنا التهديد والوعيد وجور النظام المقبور ولم نستبدل هذا اللقب والحمد لله. ربما يظنُّ بعض القراء أنَّ مقالي هذا يتحدَّث عن حالة شخصية، وعن مكابداتي في جمهورية الخوف لأني أنتمي إلى عائلة بيت النوَّاب ، وأسعى من وراء ذلك إلى الضوء؛ فأقول للقرَّاء لقد اكتسبتُ حضوري الأدبي من نصوصي التي نشرتها على مدى أكثر من أربعين عاماً ومن الجوائز المرموقة التي حصلت عليها في الشعر والرواية والصحافة والمسرح؛ والتي هي معلومة لدى الوسط الثقافي الرصين؛ بالوقت الذي يبقى الشاعر مُظفَّر النوَّاب في ذاكرة الجميع من عراقيين وعرب يمثِّل ظاهرة شعرية ضاربة في الوجدان والضمير، وإنَّ الكتابة عنهُ تسرُّ الصديق وتزعج وتقضُّ مضاجع العدو؛ وما أكثر أعداء الشاعر، وأشير هنا إلى أولئك الذين ينهبون أموال الشعب بغفلة عين بالخصوص، ولأنَّ الحديث عن الشاعر مُظفَّر النوَّاب بحاجة إلى استهلال نوَّابي خاص؛ ربما يجهله الكثير وحتى ممَّن صاحبوا الشاعر مُظفَّر النوَّاب لسنوات طويلة فأقول: في نهج عائلة بيت النوَّاب حين نـُلقي التحية على من هو أكبر عمراً في العائلة، نحني الرأس قليلاً ونضع الكف اليمنى مفتوحة عند موضع القلب ويكون اتجاه الأصابع إلى جهة اليسار؛ ونهز الكف ثلاث مرَّات ونحنُ نردِّد « آداب ..آداب.. نوَّاب صاحب وهي تحية اشتهر بها بيت النوَّاب وخاصة أولئك الذين يعود نسبهم إلى الإمام موسى بن جعفر «ع»، وهي تعني السلام الجليل على الذي تبقَّى من نسب الملوك لهم، والشاعر مُظفَّر النوَّاب من ذلك النسب الشريف؛ وكم كنتُ أتوق لرؤيته قبل رحيله لكنَّ مهجري البعيد حال دون ذلك. لقد أخبرني أخي الراحل «علي النوَّاب « ذات ليلة عندما شاءت المصادفة أن نلتقي معاً بإجازة من جبهة الحرب، أنَّ السُبل تقطَّعت به في الأهوار حين خرج تحت القصف الكثيف لإصلاح أحد خطوط الاتصالات؛ وفجأة حوصر من قبل مجموعة من الثوَّار ضدَّ النظام المقبور في ذلك الوقت وليقع في قبضتهم؛ وحين أخبرهم عن نسبه أخذوهُ بالأحضان وأقاموا لهُ وليمة عشاء محترمة تقديراً ومحبة لقربهِ من مُظفَّر النوَّاب.
يتبع…