الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قتال ودمار .. أم سلامٌ وحوار (1)

بواسطة azzaman

قتال ودمار .. أم سلامٌ وحوار (1)

بيوس قاشا

 

في البدء

إنها لحقاً فكرة نبيلة بل مقدسة، وبادرة جميلة بل إنسانية، ليكرَّس اليوم الأول من السنة لأعظم ما يتوق إليه الإنسان في حياته ويتمنّاه بمجمل مشاعره ألا وهو السلام، فتكون السنة كلها، ببركة الله، سنة سلام وطمأنينة وإزدهار.

كوارث طبيعية ... وحروب دولية

شهدت البشرية ولا زالت العديد من الحروب الدولية والإقليمية والمحلية، ومئات من المشاجرات والخصومات والإنقسامات والعداوات، وآلاف من عمليات قطع العلاقات الدبلوماسية والإقتصادية بين البلدان والشعوب والأوطان وبتوقيع من الحكّام، والملايين من الخلافات والنزاعات القبلية والعشائرية في أعضاء الأسرة الواحدة وساكني البلدة الواحدة وأبناء الأرض الواحدة، حتى تأصّل الإعتقاد عندي وعند كثيرين أن لا سلام على الأرض، وإنّ قايين لا يزال يفتك بأخيه بدءاً بهابيل، كما هو حال وباء «كورونا».

مَن منا لا يتذكّر ما حصل عام 1961 حيث شُيّد جدار برلين وأصبح أنموذجاً مخزياً للعالم، وولج قلب البشر وعقله، فولدت الإنقسامات وتعشعشت لسنين وبدت حينها أنها طويلة عبر الزمن وكأنّ الدنيا تقرأ السلام على أبنائها، وأصبح الشرّ يملك في القلوب. كما أخذت تنتشر حضارة الغاب فيُسمح بقتل الأبرياء حينما يجوع الأغنياء، ويدفّأ حكّام الزمن بحطب الناس الضحايا حيث يشتدّ الشتاء.

وباتت آفة الإرهاب في هذه السنوات أكثر إيذاءً ووحشية منعت في طريقها الحوار والتفاوض وأثارت مشاكل خصوصاً في الشرق الأوسط فأهرقت دماء الأبرياء عبر أعمال وحشية، عنيفة، غير إنسانية. كما أزادت الطبيعة ثقلاً آخر، فضربت الحياة كوارث طبيعية، أعاصير، موجات من الجراد.

من خلال هذه الأحداث المأسوية وأخرى في شرقنا: حروب، نزاعات، إنقسامات، إعتداءات، بناء جدران فاصلة، هدم مساكن، قنابل نووية كيميائية بايولوجية، صواريخ عبر القارات، تهديدات وأوبئة. وبدا الكون مرة أخرى على هاوية حرب نووية، طاحنة، مميتة. وبدا الطريق مسدوداً أمام عالم يفتش عن السلام والعدالة والعيش الكريم والحرية الشخصية والدينية، فكانت النبوّة على فم قداسة البابا الطوباوي يوحنا الثالث والعشرين الذي قال حينها:»إن الإنسانية دخلت مرحلة جديدة من مسيرتها، مرحلة اتّسمت بالإقتناع بأن البشر متساوون بدافع كرامتهم الطبيعية، وبأنهم يجب أن يكونوا واعين لبعض القِيَم الروحية والتي هي ركائز سلام أكيد، ألا وهي الحقيقة والعدالة والمحبة والحرية» (السلام على الأرض، صحيفة 267-269).

فالشرّ يعكس وجه الأنانية والكراهية، والمحبة وحدها قادرة على قهر هذا الشرّ وبيان الحقيقة، إن الحياة خُلِقَت لنحياها بسلام... فما هو السلام؟.

ما هو السلام؟

منذ ألفي سنة ونيف أنشدت الملائكة ترتيلة السلام «المجد لله في العلى، وعلى الأرض السلام» (لوقا14:1)، ابتهاجاً بوليد المغارة ملك السلام، ولا زال ذوو الإرادة الصالحة ينشدونه. فالسلام هو أولاً عطية من الله، والعالم من دون الله لا يقدر أن يعرف السلام «لانه ميزة للعمل الإلهي» (البابا بندكتس السادس عشر). وبمفهوم الإنجيل ليس السلام أمْناً أي عدم حرب، بل هو حالة من الطمأنينة النابعة من القلب المصالَح مع الله. بهذا المعنى يصبح للسلام مفهوم شامل يطال الإنسان بكليّته، والإنسان الذي يحصل على هذا النوع من السلام ينشر من حوله أجواءً سلاميّة تقود إلى التفاعل الإيجابي بين جميع أبناء البشر، هذا هو السلام الذي تعطيه السماء لنحمله بدورنا إلى العالم. نعم، إنه هبة من السماء لِمَن يطلبها أولاً، فربّ السماء يقول لنا:»طوبى لفاعلي السلام فإنهم أبناء الله يُدعَون» (متى5:9).

السلام ليس مجرّد غياب للحرب، ولا هو مجرد إقامة توازن بين القوى المتناوئة، ولا هو ثمرة سيطرة مستبدّة، ولكنه «عمل العدل» أي إنه ثمرة نظام جعله في المجتمع البشري واضع هذا النظام، أي الخالق، وأولى أمر تحقيقه إلى البشر المتعطّشين أبداً إلى عدالة أوفى وأكمل.

وبسبب التقلّبات المتواصلة التي ترافق الزمان ليس من سلام ناجز أبداً وبطريقة ثابتة ولكن على الإنسان أن يبنيه باستمرار. «فالسلام، يقول البابا بندكتس السادس عشر، واجب يلزم كل فرد بإعطاء جواب شخصي يتطابق مع التدبير الإلهي، ومعياره هو إحترام «القاموس» الذي كتبه في قلب الإنسان خالقه الإلهي، وهو حلم كل الأجيال، ولكن كم من حروب ونزاعات مسلّحة موجودة اليوم» (رسالة السلام 2007).

فالبابا القديس يوحنا بولس الثاني يقول في رسالته ليوم السلام العالمي عام 2004:»إن السلام يحتاج إلى الحب. فالحب يطلب كل شيء وفي كل ناحية من الأرض. إذا ما انتصر الحب يُتَوَّج السلام مَلِكاً، وهذا ما تتوق إليه قلوب الجميع».

حيث يتطلّع البشر دوماً برجاء وحنين إلى سلام. فهم أعداء العنف والحرب. ويقولون باستمرار أن السلام ينتصر في نهاية المطاف. وهذه الصرخة التي يطلقها البشر المتعطشين إلى السلام يسمعها الله لأنه إله البشر ويجيب لتضرعاتنا. عبر ذلك يكون السلام هو فتح الفكر والقلب لإستقبال القيم التي هي أساس المجتمع السلمي. كما علينا أن نتطلّع بشوق وحنين وأمل وطيد إلى تحقيق السلام في هذه الأرض.

 مسؤول كنيسة مار يوسف للسريان الكاثوليك

 


مشاهدات 271
الكاتب بيوس قاشا
أضيف 2025/05/21 - 3:42 PM
آخر تحديث 2025/06/03 - 1:04 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 110 الشهر 2839 الكلي 11137493
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/6/3 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير