شعر قادم من ثقافة الأنهار و الرائحة
فاتن حمودي : "طائر في الجهة الأخرى" نص مفتوح على الحب و الحرب و دمشق على الرصيف تبكي وحدها
علي لعيبي
قراءة الشعر، تعني أن تُهيىء طقس القراءة، وكأنّك تدخلُ حفلا موسيقيا ، لتسمو روحك بالفن أولا، و ثانيا لتكتشف الجمال، لاسيما الشعر حين يمسي حياةً، يحمل أسئلة الوجود، و يجعلك تحلّق في عوالمه، هو ما يفعله، "طائر في الجهة الأخرى"، الذي كتبته الشاعرة فاتن حمودي، المرأة الدمشقية التي تقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة، الإعلامية، و معدة برامج التلفزيون، وهي المرأة التي يلفُّها المطر ، كما يلفها وجع الفقد، أمرأة تضج بأصوت الأبواب والمفاتيح، والظلال والصور، و سلالم الغياب، من يقرأها يتلمس في صوتها بُحة الحب، و التّوق نحو الطبيعة، أمرأة مسكونة بحكايا الطفولة، و ألف ليلة وليلة، و الموسيقى و الغناء، تقص علينا شعرها فتعلق بأرواحنا، صورة البيت، رائحة القهوة، الطرقات، و المدن، الوجوه، كائنات الطبيعة حولها، ودائما المطر يهطل في النص، و على أطراف الفجيعة، شعرها شعرُ فصولٍ و أحوال، و اسئلة مفتوحة على الوجود والعدم ، الحضور والغياب، الليل والنهار، وهذا الزمن الفادح في سقوطه تقول:" الوقت يتيم/ ودمشق على الرّصيف/ تبكي وحدها/ لقد ابتلَّ الكونُ"، وهنا تمسي دمشق أمرأة و أم، و معطف في عزّ الزّمهرير، و أوج الحب:" أتنفَّسُكَ غيرَ مكترثةٍ بحكايا الشرق كلّه/ غريبةٌ أنا/ فاغفر لي لأنّني أرتدي دمشقَ معطفًا في المطر".وهنا تمسي الشام المعطف الذي تتدفأ به في زمهرير الغربة، فكيف إذا كانت هذه المدينة مسرحا للحرب، و الدمار؟
تتميز الكتابة عند فاتن حمودي، بالتكثيف العالي، و برهات الصمت، و الموسيقى و اللون، و الحب، وتحمل ثيمة الحرب،و الحب، و تفتح أمام القاريء الخاص و المتذوق ، مساحة لملئِ الفراغات، فتشتعل المخيلة من جديد، وليس غريبا هذا على من جاءت من ثقافة الشذرات،
والتصوف، و الأمثال، و البيت الشعري الذي يمنحنا عمق الشعروالفلسفة معا، وهنا أعود إلى مقولة النفري: «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة"."
عتبات لمسرح النص:
بعد أن قرأت أول فاتحة في الكتاب و التي جاءت بعد الإهداء"لاما العاصفة، ومن غيرك في القلب"، استوقفتني جملة شعرية، كما قطرات المطر ، " لا أبحثُ عن الزمنِ الضائعِ/ الأبديَّةُ أنتَ وأنا".
لتدخل بعدها في نص كأنه عتبة، بما يحمله من جمال، و إشارة إلى أمكنة الشاعرة، التي تقيم بعيد اعن شامها،تقول:"
نوافذي على البحر/على الصَّحْرَاءِ/على مدينةٍ مُوغِلَة في الحَرْبِ/ كلُّ النَّوافذِ إليكَ/ في هذا الخريف/ تتساقطُ سنواتُ عمري/ طائرٌ في الجهة الأخرى "، وهنا يستوقفني البحر و الصحراء، كمفردتين مفتوحتين على المطلق، وتلك النافذة التي ترى منها مدينتها الموغلة في الحرب، و ما يتبعها من إشارات للحب، "كلّ النوافذ إليك/ في هذا الخريف/ تتساقط سنوات عمري" تكثيف شعري لرحلة الحياة و الحب، و الغربة، ولكن النوافذ مفتوحة على ذاك الطائر، الذي يعني بشكل ما الشعر، فهل الشعر مواز للحب عند فاتن حمودي، و إلى أي درجة يشكل الخلاص؟
وأخيرًا أخرجُ إلى الشعرِ:
"وأخيرًا أخرجُ إلى الشعرِ"،عنوان قصيدة مكوّنة من حركات، و عناوين فرعية، يدفعنا للسؤال: ما الذي أخذها من الشعر، لتعود إليه بكل هذه اللغة و الجمال؟ وكأنها تخرج إلى الحياة، تقول:" لا ضجيجَ للشعرِ لا خلاخيلَ و لا أساور، بهارُ الغياب/أهيمُ في فراغِ الورد/ الشِّعرُ حياةٌ ، انتظارٌ، شغفٌ عالقٌ في حريرِ اللغة، نيرفان الوجود".
و هنا نمسك بخيط الجمال، خيط الأنوثة أيضا، ونكاد نسمع صوت الخلاخيل و الأساور، بلغة فيها من السحرية ما يبهر، فتضعنا أمام صور و مشاهد، في مقاربة لفن السينما:" غدًا خريف، وغدًا أسير مع الغيم حتى يُمطرَ الوجودُ كُلُّه/تنهضُ الأرضُ، تدنو السماء/ و أنا غطاءُ البردِ العظيم/ أشمُّ رائحةَ طينِ الغيابِ"، ثم تمضي من الشعر إلى الشعر، و هي تمسك خيط حرير بيد، و خيط الفقد بيدها الأخرى، ثم تقترب من دمشق، الفردوس المفتقد:" من مدينةٍ سقطتْ سهوًا، من الجنّة طُردتُ/ و من يومها العشبُ داشرٌ/ ابنُ براري التّيه/الشِّعْرُ لوحةُ الوجودِ كُلّهِ/كيف يصيرُ الشعرُ حياةً بأكملها؟/ الشّغُر هو الشّعر ...وكفى ".
تكثيف معنى الشعر، ثم الإشارة إلى البعد بصورة العشب الداشر، لتصل إلى وصف الزمن، بأنه زمن هشٍ: "أسير على هشاشة الوقت/ مطرود الشاعر أبدا"، نلمح الإغتراب من خلال
ذات الشاعرة و أناها: "لست أنا، مَنْ هذه الغريبةُ التي تسير؟ / أنفاسٌ مُبلّلة/ لا فرقَ بين الضبابِ و الدُّخان هنا"، و شتان ما بين ضباب بلدها االذي يقارب الحب و الحلم،والمطر، و بين ضباب الغربة ، والذي يتساوى مع الدخان، والعماء، كلُّ هذا يأخذها إلى اصطياد اللحظات الممطرة في الشعر و الحب، و ما تراه من ضوء، و لو تجردنا في قراءتنا عن أي أرضية جاءت منها هذه الشاعرة، فإننا لا بد أن تأخذنا إللغة إلى عوالم متعددة، في كلّ قراءة نراها من زاوية مختلفة عن الأخرى.
متتابعات ليليت:
في "متتابعات ليليت"، نرى نصوص مكثفة، تحيلنا بعنوانها إلى الموسيقى و الأسطورة معا، فالمتتابعات بما تعنيه، هي، المتتاليات في العمل الموسيقي، والتي تتكوّن من عدة قطع تعزف في حفلة موسيقية، قد تكون مقتبسة من أوبرا، من باليه، مسرح، ومن الشعر أيضا،
أما" ليليت"، فإنّها تشير إلى التمرد و الأختلاف، كونها شيطانة العواصف في بلاد الرافدين، والتي تُرافق الريح ، وهنا في هذه المتتابعات، نرى الحب، و الشعر، و اللغة، إلى جانب لحظات حب مسروقة، والتي تأتي على شكل نصوص متتابعة، يميزها التكثيف العالي، وجمال اللغة تقول:" الشّاعر راءٍ/ على جدارِ الأبديَّةِ/ يَعْبَثُ/ الكولاجُ/ تغريبٌ داخلَ النَّصِّ/ روحي المبعثرةُ بصورك/ لوحةٌ مثقوبةٌ هُنَاكَ".
تأخذنا بلغتها و صورها، إلى التشكيل و الموسيقى، تكتب،وكأنها تُحِيكُ و تُطرز و تلعب بالكلمات، مصوّرةً بعض اللحظات، بين زمنين، مدينتين، بمخيلة ترى فيها اللوحة مثقوبة فتتداخل صورة الشام مع الأسطورة، وكأننا أمام لوحة تشكيلية:" أبوسُكِ على كتفِكِ اليسرى/ نأكلُ الوردَ معًا/ مثلَ فينوس التي رسمَها "بوتيشللي"/ الوردُ لغةُ جدَّتي/ عطرُالصَّباحاتِ/ نرمي الحزنَ خلفَ المحيطاتِ/ بشفتيَّ أ قطفُ بتلاتِ الوردِ/أردُّ خصلةَ شعري إلى الوراءِ/ بحركةٍ طائشة/ "زعرة" كما تسمِّيها/ تلكَ الحركةُ التي ترسمُ الحبَّ الأولَ/ هذهِ المرةَ/ حبٌّ في خريفِ العمرِ/ في حديقةِ اللوفرِ/ في السيارةِ/ في السوقِ/ وأنت تتأمَّلُ حبَّةَ اللؤلؤِ بسلسالي/ وأنا أرسمُ الغيابَ".
تخيل، إنّها ترسمُ الغياب، فتتلاشى ريشة الطائر في الريح.
وفي لحظات أخرى تستوقفنا إحدى المتتابعات، بمشهد نكاد نسمعه،:". الشامُ تبتعدُ، لا تغيبُ/ وأنا هُنا/ أسمعُ صوتَ سُعالِكَ/ أريكةٌ مريضةٌ/ شجرةُ تنحني على عشبِك/ ضبابٌ على الزجاجِ/ أرسمُ قلبًا/ أمشي إلى رجوعي/ وكُلِّي يلتفتُ"، هذه الالتفاتة التي تعادل الفقد، و البحث، هي التفاتة إلى الفردوس المفتقد، ثم تقول و أنا هنا، أسمع صوتَ سعالك، و تسمو
بلغتها حين ترى أن الأريكة مريضة، هذه الإسقاطات على الأشياء، تشكّل خيط من خيوط العمل الذي يفرد سحريته في نصوص متعددة:"رغمَ أنَّ البيوتَ لم تُهيِّىءْ نفسَها للحربِ/ تتلعثمُ/ الزَّمنُ حبالٌ تتدلَّى في الرِّيحِ/ نسيتُ اسمي/ نسيتُ الفصولَ أيضًا/ الخوفُ يعصفُ/ عقربُ ساعةٍ مكسورٌ/ المطرُ يقصُّ عليَّ سِرَّهُ" وهنا إشارة فادحة للحرب، و رغم هذا تخرج في نصّها إلى الصباح، و رائحة الاسبريسو:":"
صباحُك/ فنجانُ أسبريسو/ أُغنيةٌ إلى دمشقَ/ عناقٌ وحيدٌ/ نقطةٌ يبدأُ مِنْهَا يومي/ ريشةٌ في مَهَبِّ الجنونِ/ أنا".
تتجلى لغة النص بحساسية كأنّها عروق ماء تسير داخل النص، وليس غريبا هذا و هي ابنة بردى، وجناين الورد، و الغربة أيضا، فنرى وراء الكلام، امرأة، تعيش الذكريات ، تستحضر الصَّمت ، و صور الحرب، وبنفس الوقت نرى مدنا أخرى، و يبدو واضحا، أن التكثيف الشعري، خيط العمل ، والذي يضعنا امام نص مفتوح على أفكارها، حدسها، و ثقافتها الخاصة، التي تعكس فلسفتها في الحياة، فترى آثار الزمن وتبعاته على الجسد :
على طرفِ الأبديَّةِ/ طائرانِ يُحلِّقانِ/ وردةُ تتعثَّرُ/ تغسلُ وجهَها على النهرِ"."
نص يوازي مشهد سينمائي، فإن تسمع ما وراء الصمت، تدرك بأن الشعر هو ما نربحه، فشعر فاتن، يستحضر روح الفلسفة، من خلال لوحات مرسومة بالللغة، كل هذا ممسوك بصورة شاعرة، هي تلك الوردة التي تغسل و جهها بماء النهر، و تبقى اللغة خيط الوجود، وكما تقول:" اللغةُ إنسانٌ/ تناثرَ النَّهرُ وتناثرْنا/ اللغةُ كلامُ أمِّي/ صَمْتُها الطَّويل/ انتظارُها على العتباتِ/ و"يا ليالي الشمالِ الحزينةَ"/ لو نمشي مرةً واحدةً تحتَ المطرِ/ اللغةُ صوتُ ، حصى الطَّريقِ/ وشوشةُ الشَّجرِ للنَّهرِ/ ذاكرةُ الحيطانِ/ رائحةُ ترابِنا بعدَ المطرِ"،
أجمل عطور الحب، هو رائحة التراب بعد المطر، فكيفما نسير في هذه المتتابعات يستوقفنا مشهد من لحم و دم وماء :" عُدْتُ في ساعةٍ طائشةٍ/ نُدْبَةٌ على عُنقي/ غيمَةٌ في القلبِ/
تحتَ أيِّ سماءٍ سنمطرُ معًا؟".، و في الحقيقة يتنامى العمل بروح أمرأة، تدخل التجربة بكامل ألقها، :"نهجرُ الطريقَ/ نسدُّ بابَ الغِوايةِ بالقرميدِ/ الأشجارُ غريبةَ الأغصانِ/ أعشابٌ فوقَ العتبةِ/ لاشيءَ قد تغيّرَ/ صوتُكَ صوتي أخذتْه الريحُ/ وأنا أكنسُ الغبارَ وحدي".
القرميد هنا، إشارة للغواية ، أما الغبار فهو إشارة للبعد ، نص بطلته شاعرة، تسابق الريح، تلوي عنق الحرب، و تزرع شجرة شعر من حب، من حب فقط." في غيابِك وجهي
قمرًا هائمًا في اللوحةِ".، نص قادم من ثقافة الأنهار و الخصب، ثم تاخذنا إلى ذروة المتتابعات:" مثلَ طرفِة عينٍ أمطرنا معا/ لا شيءَ غيرَ الشِّعرِ/ هل تركتَ أنفاسَك فيهِ؟".
الطوفان السوري:
و يبرز في هذه النصوص طوفان اللجوء السوري، و صور الغرق، و خيوط النجاة التي ترسمها مستعيرة صور الطفولة، و الإرث الإنساني لسفينة النجاة:" على طرفِ القصيدةِ
امرأةٌ/ تفوحُ منها رائحةُ الغرقِ"، تتابع في مقطع آخر:" أرسمُ قواربَ بحجمِ القلبِ
أكتبُ دمشقَ/ منسيَّةً وسطَ بساتينِها".
كونشيرتو اللقاء الأخير:
"كونشيرتو اللقاء الأخير"، قصيدة تعيدنا إلى الموسيقى، و هذا إشارة ثقافية لخلفية الشاعرة، و صدى لما تسمعه من موسيقى، والكونشيرتو، نوع من التأليف الموسيقي، لآلة مثل كونشيرتو الجيتار، أو لأكثر من آلة، تُعبر عن تناغم الأصوات، و قد جاءت كلمة كونشرتو من الكلمة اللاتينية (كونسرتار) والكلمة الفرنسية (كونسرفاتوار)، وتعني اشتراك عدة أصوات معاً. ، وهو ما نسمعه في النص الشعري، صوت الحرب، صوت الأم، صوت الشجر:"
ستسقطُ الحربُ على الرصيفِ الأخيرِ/ فهل مرّ عمرُنا سدى؟/ في المحطَّةِ الأخيرةِ أنتظرُ
وأقولُ
أحبُّكَ".
مشاهد متتالية،ومنها باب الغياب، " على بابِ الغيابِ أسندُ رأسي، الأشرعةُ تختفي/ والمدنُ يبابٌ"، ثم تحضر الحرب والحب في لغة حوار تقولُ: إنَّها الحربُ، فلنخرجْ من قيامةٍ مؤبَّدةٍ/ أدخلُ جنَّتَكِ على طرفِ غيمة/ قلْ لي: وهل ينفعُ الفجرُ إذا لم نصحُ؟".
مونولوج داخلي مفتوح على السؤال:" من أنا خلفَ أبوابِ مدينتي؟/ أقول مدينتي سقطت سهوًا من الجنَّة/ لم تقلْ/ ضحكتَ حتى البكاءِ، حتى الصراخِ. عضضتَ على قميصِك، لَكْ آآآآآآآآآخ/ وكنتُ خريفًا غامضًا أنتظرُ أولَ الحبِّ/ وكانتْ دمشقُ ترتدي معطفَها، تتوارى، تعصبُ رأسَها بمنديلِ جدَّتي، وتبكي علينا/ تتفقّدُ قطَطَها وأحفادَها وجيرانَها، ومن أرضعتْهُم كي تكبرَ شجرةُ أمومتِها/ فمن أكونُ غدًا؟/هل ستلدني أمِّي مرةً أخرى ؟ أم سأخرجُ من ضِلعك، أم كلّ شيءٍ يمضي سدى".
يا لدمشق حين تمسي أما و إلهة ، و قد مزفتها الحرب، و يا للشعر حين يتوق إلى الحب فيمسي حياة بأكملها.
الحب معادلة الوجود الأصعب:
تحتار أين تقف في هذا الشعر، ففي شعرها واحات جمال، بساتين عطش ، فيض من الحب و المطر، و رغم هذا فإن الحزن يلوّن الكلمات، و يأخذ هذا الحزن بعدا كونيا، من خلال تفاصيل الحياة الصغيرة، و التي تشعرك أنك داخل الحكاية، أو أنك تقف على مسرح مينودراما، تسمع الصوت و الصمت:"
في تقاطعِ الطريقِ ذاكَ/ أعرفُ شجرةَ الجُنونِ التي زرعتها بي/ أنا مجنونةٌ أصلًا/
نخافُ الكوفيد فنصابُ بحُمّى الحربِ والزلازلِ /نصيرُ مثلَ مُدنِنا الرُّكام/ و أنت تشتاقُ لحبّةِ اللؤلؤِ في سلسالي/ لكلامي في الحبِّ والحربِ/ وفي البطالةِ المقيتةِ/ لصوتي المبحوحِ ببهاراتِ العتاب/ بلا خَوْفٍ تنامُ صورتي اليومَ/ لا تموتُ الحربُ هنا/ قطفتْ كُلَّ أهلي/ حتى النَّرجس البرّيّ/ ضَحكْنا، وكانَ الهواءُ يرصدُ عويلَنا".
تتنامى الصور، والأصوات ، لكنها الحرب لا تموت، " و يا ليل قاسيون/ تلتمع بالدَّمعِ روحي/
وهذا الأزلُ المُعلَّقُ على بابي".
خاتمة:
في "طائر في الجهة الأخرى"،، الصادر عن دار رياض الريس للكتب والنشر، بيروت ،2025-عوالم شعرية تعانق الوجود، و تهتف للحياة، لأن الغيمة تقف وراء الباب دائما، هذا العنوان الذي يحمل إشارات الخيال و التحليق، و وجه الغياب، والحب ، و لكن أين؟، في الجهة الأخرى، في مكان آخر ، فمن هو هذا الطائر، وكيف يرسم الكلمات بلوني الحب و الحرب، اللذان يشكلان تيمة العمل، و لأن الحب مبتدأ الوجود فإنه إقصاء للفراغ، رغم أن الفراغَ يدور كلَّه حول الحب...حسب روبرت خواروث
وهنا استعيد ما كتبه الشاعر سيف الرحبي، على غلاف العمل:" الديوان من الغنى و الثراء الروحي التعبيري، بحاجة الى قراءة متمعنة بعمق عبارته و فضائه المدهش، اعتقد انه
سيكون من افضل ما ينشر في الفضاء العربي، والذي يأتي ثمرةً لمعاناةٍ كبيرةٍ مع الرؤى واللغة، والحياة، و خلاصة موفقة تعبيريا و رؤيويا.
فاتن حمودي واحدة من نماذج الصمود السوري الصلب، أمام الملمات و المحن الشخصية و العامة، كما عرفتها، و عرفها كثيرون.
من هنا لابد من وصل الحب بالفكر، بدون هذا الوصل لاوجود للشعر، وهنا تماما تكمن روح الفلسفة في شعر حمودي، والذي يأتي بعمق نسمة، وكما يقول الشاعر الفرنسي آلان بوسكيه في إحدى شذراته: "الشعر هو يومي الثامن، وشهري الثالث عشر، وفصلي الخامس"، في إشارة إلى أن الشعر هو ذلك الزمن ربما الذي لم يحدث بعد.