الزواج... من عقد اقتصادي إلى عبء اجتماعي
الهام عبدالقادر عبدالرحمن
بعيدًا عن ضجيج السياسة والحروب، من المفيد أن نتوقف قليلًا عند سؤال وجودي وفلسفي طالما رافق المجتمعات البشرية: من أين بدأت فكرة الزواج؟
قبل أن يدخل الإنسان عصر الزراعة، لم تكن هناك مؤسسة تُدعى "الزواج" كما نعرفها اليوم. كانت العلاقة بين الذكر والأنثى تسير وفق منطق الغريزة، أشبه بما هو موجود في عالم الحيوان. لم تكن هناك رابطة رسمية أو التزام دائم، وكان الطفل يُنسب إلى الأم وحدها، لأنها من تحتضنه وترعاه.
لكن مع الانتقال إلى الحياة الزراعية، تغيرت الحاجة البشرية، وبرزت الضرورات الاقتصادية كعامل حاسم. بدأ الرجل يُدرك حاجته إلى الأطفال، لا فقط من منظور الأبوة، بل لأنهم سيكونون سندًا له في العمل الزراعي، وشركاء في الحفاظ على الأرض ووراثتها. من هنا، ظهرت فكرة الزواج كحل اقتصادي، يخدم مصلحة الرجل في المقام الأول، ويوفر له استقرارًا إنتاجيًا.
ثم جاءت الأديان، ومعها تم تحويل الزواج إلى إطار روحي. أصبح الزواج وسيلة للتقرب من الله، ورباطًا مقدسًا لا مجرد عقد نفعـي. أُضفيت عليه قداسة، وتم تحميله بمفاهيم الغفران والطهارة والبركة. ورغم هذا التحول، فإن الرجل بقي هو المحرك الأساسي لتشكيل هذه المنظومة، بما يضمن استمرارها وفقًا لحاجاته.
ومع مرور الوقت، دخل عنصر العاطفة إلى المشهد. لم يعد الزواج يكتفي بوظيفته الاقتصادية أو الروحية، بل أصبح وسيلة لإشباع حاجة وجدانية لدى الطرفين: الحب، والمشاركة، والدعم النفسي. تحوّل إلى علاقة إنسانية متكاملة، لا مجرد اتفاق بين طرفين. وربما كان هذا هو التحول الأكثر إيجابية في تاريخ فكرة الزواج.
لكن اليوم، ونحن نعيش في زمن تحولات اجتماعية واقتصادية متسارعة، بدأت مؤسسة الزواج تفقد جاذبيتها لدى شريحة واسعة من الرجال. فالمسؤوليات التي كانت توزع بشكل تقليدي تغيرت؛ أصبح الأطفال في حالات الطلاق يُنسبون للأم، وأصبحت المسؤولية المادية بأكملها على كاهل الرجل، دون ضمان استقرار أو شراكة دائمة. ونتيجة لذلك، بدأ يُروّج لفكرة أن الزواج "مؤسسة فاشلة"، لا تلبي تطلعات الرجل الحديث، بل تُثقله بالواجبات دون مقابل مضمون.
في المقابل، تزداد تمسّك النساء بفكرة الزواج. وتشير الأرقام والإحصاءات العالمية إلى أن عدد النساء الراغبات في الزواج يفوق بكثير عدد الرجال المستعدين للارتباط. في زمن الحرية الفردية، أصبحت المرأة ترى في الزواج شراكة عاطفية واستقرارًا نفسيًا، في حين يراه الرجل التزامًا مرهقًا ومشروعًا خاسرًا.
وهكذا، وبين تحوّلات الفكر والمجتمع، يبقى الزواج فكرة متغيرة، لا يمكن تثبيتها في قالب واحد. قد يكون في بداياته حلاً اقتصاديًا، ثم تلوّن بالدين، ثم تسربت إليه المشاعر، إلى أن أصبح اليوم سؤالًا مفتوحًا أمام الأجيال الجديدة:
هل الزواج لا يزال ضرورة... أم عبئًا؟