الناصرية الرهان والتحدي
ناجي الغزي
الرهان على الناصرية كمنطقة محورية في المعادلة السياسية العراقية تحمل في طياتها أبعاداً عميقة ترتبط بموروثها الثوري والسياسي والاجتماعي. فالمدينة ليست مجرد مركز جغرافي, بل رمز تاريخي للمقاومة والمعارضة, حيث كانت وما زالت أرضاً خصبة للحركات الاحتجاجية والتيارات المعارضة. الأمر الذي جعلها محور اهتمام لقوى المعارضة والسلطة على حد سواء.
فالمعارضة ترى في الناصرية نقطة انطلاق لإشعال ديناميات التغيير, مستندة إلى قدرتها التاريخية على تحريك الشارع واستنهاض الطاقات الاجتماعية الكامنة, التي قد تساهم في إعادة رسم المشهد السياسي العراقي. في المقابل تعمل قوى السلطة على احتواء المدينة أو تحويلها إلى أداة توجيهية تحقق من خلالها استقراراً هشاً قد يخدم مصلحتها السياسية.
معادلة مركبة
هذه المعادلة المركبة تجعل الناصرية ساحة صراع على مستقبل العراق, وما يحدث في الناصرية قد يكون نقطة تحول حاسمة, فإما أن تنجح الدولة في فرض سيطرتها من خلال معالجة جذرية لمشاكل المجتمع وإعادة بناء جسور الثقة, وإعادة فرض سلطتها وهيبتها من خلال فرض القانون واستجابة حقيقية لمطالب الجماهير وتحقيق العدالة، أو أن تتفاقم الأزمة وتتوسع الاحتجاجات, ما قد تؤدي الأمور إلى انزلاق لا سامح الله. ويواجه النظام الحالي خطر الانهيار التدريجي أمام قوة الحركات الاحتجاجية المتصاعدة.
وفي ظل هذا الحراك المستمر والمستدام تحولت الناصرية في بعض جوانبها إلى بيئة مواتية لاستغلال الأوضاع السياسية المتوترة, حيث تواجه الناصرية أيضاً اختراقات و تسلل من قبل أطراف تسعى لاستغلال الأوضاع المتأزمة لتحقيق مكاسب ضيقة, سواء كانوا من الصحفيين والاعلاميين المبتزين أو الناشطين المتلاعبين بمصير المدينة, أو حتى بعض الفاعلين في الحكومة المحلية. هذا الانحراف عن المطالب المشروعة يعمق الأزمة ويضيف طبقة جديدة من الفساد الذي يفاقم من معاناة المواطنين ويفقد الثقة بالمؤسسات الحكومية, ويضعف من قدرة الدولة على استعادة هيبتها ومكانتها.
تسلط بعض من هؤلاء الأشخاص على مقدرات ومؤسسات الدولة نتيجة الأزمات التي مرت بها المحافظة, واستغلالهم للأوضاع السياسية والامنية الحساسة في المحافظة لتحقيق مكاسب شخصية أو سياسية, مما يعمق الأزمة ويزيد من معاناة المواطنين, ويشكل خطراً كبيراً على استقرار المدينة وقدرتها على الخروج من أزمتها. لذلك من الضروري أن تتعامل الحكومة بحزم وجدية مع هذه الفئات التي تستغل الوضع لتحقيق مآربها.
وعلى الحكومة المركزية والمحلية وعبر مؤسساتها الامنية أن تتخذ خطوات حازمة وجدية للحد من نفوذ هذه الفئات, عبر فرض القانون بشكل صارم على الجميع دون تمييز, والعمل على تفكيك هذه الشبكات التي تسيء استخدام مساحات الحرية والسلطة وتستغل اصحاب المشاريع ومدراء الدوائر ومشاعر الناس. وهذا يتطلب إجراءات قاسية لمكافحة الفساد وتفعيل الرقابة على مؤسسات الدولة ومحاسبة المسؤولين الذين يتورطون في هذه الممارسات. إلى جانب ذلك تحسين مستوى الخدمات والاستجابة لمطالب الشارع بشكل حقيقي, لكي تستعيد الدولة هيبتها وثقة المواطنين, وتمنع سقوط النظام أمام هذه التحديات.
كاتب سياسي