الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
من هيروشيما إلى بغداد الواقع هو الفيصل

بواسطة azzaman

من هيروشيما إلى بغداد الواقع هو الفيصل

احسان باشي العتابي

 

تنويه لابد منه:حتى مع فرض مصداقية اسباب اجتياح العراق من قبل امريكا سنة 2003 ،لن اؤيدها بذلك،لانه بالنتيجة هو احتلال لوطني.لكن بما انه اصبح واقعا يحكم البلد، فلا ضير ان يتعامل معه اصحاب القرار بحنكة، من اجل تجييره خدمة للعراق واهله؛ ولنا في اليابان عبرة تاريخية،اليابان فهمت الرسالة جيدا، فاصبحت قوة اقتصادية عالمية،بيننا احزاب السلطة في العراق ،اساءت قراءتها فأصبحنا في حال يرثى له.

كرامة دولة

في عام 1945، لم تقصف اليابان باعتباره بلد، بل ضربت كرامة دولة بكاملها. هيروشيما وناغازاكي لم تكونا مجرد نقطتين على خارطة الحرب،بل لحظة فاصلة اعادت تعريف معنى الهزيمة، ومعنى النهوض بعدها.وفي الطرف الاخر من العالم، وبعد ستة عقود تقريبا، دخلت الدبابات الامريكية بغداد عام 2003، لا بقنبلة نووية، بل بانهيار دولة ونظام _ حتى مع فرضية اختلافها معه _وفتح كامل للابواب امام طبقة سياسية جديدة… طبقة كان يفترض ان تتعلم من التاريخ، لكنها قررت ان تعيد انتاج الخراب بصور اخرى اشد فتكا ببلد لم يقدر له العيش بطمأنينة حقيقة يوما ما!

اليابان، التي خرجت من الحرب العالمية الثانية مدمرة نفسيا وعمرانيا، لم تتعامل مع الولايات المتحدة ”كعدو ابدي”، ولا «كراعي دائم”، بل ”كواقع سياسي موقت” يجب التعامل معه بعقل بارد.قبلت اليابان بالدستور الجديد، اعادت بناء موسساتها، فصلت الدين عن الدولة، وحولت الجيش الى قوة دفاع لا اداة مغامرة. الاهم من ذلك كله: حاربت الفساد قبل ان يحاربها الفقر.

لم تبن اليابان مشروعها على الكراهية، ولا على خطاب الضحية، بل على العمل، والانضباط، وتقديس الكفاءة. وبعد اقل من ثلاثة عقود، اصبحت خصما اقتصاديا شرسا لواشنطن نفسها، دون ان تطلق رصاصة واحدة.

في المقابل، حصلت الاحزاب التي وصلت الى السلطة في العراق بعد 2003 على فرصة تاريخية نادرة: دعم دولي، اموال نفطية هائلة، وغطاء سياسي امريكي غير مسبوق.لكن بدل ان تدار الدولة بعقل الدولة، اديرت بعقل الغنيمة.

الاحزاب ذات التوجهات الدينية، والتي رفعت شعارات “المظلومية” و”الهوية الطائفية”، تعاملت مع الولايات المتحدة لا كشريك مرحلي، بل”كممول اعمى” يمكن ابتزازه سياسيا، ثم شتمه خطابيا.فكانت النتيجة طبيعية: خطاب طائفي، فساد ممنهج، موسسات مخترقة، ودولة تدار من الخارج والداخل في آن واحد.

طبقة سياسية

الولايات المتحدة، التي غضت الطرف لسنوات عن الفساد والطائفية مقابل “الاستقرار”، بدات تدريجيا بسحب يدها. ليس حبا بالعراق، بل يأسا من طبقته السياسية. لم تخسر الاحزاب الحاكمة الدعم الامريكي بسبب “المقاومة” كما تدعي، بل بسبب فشلها الذريع في بناء دولة قابلة للحياة. الاقتصاد العراقي اليوم ليس ضحية نقص الموارد، بل ضحية نهب منظم، وغياب رؤية، وتحويل المال العام الى وسيلة لادامة السلطة.المالية العامة تعاني، البطالة تتفاقم، الثقة الدولية تتآكل، والاستثمار يهرب… وكل ذلك في بلد يطفو على بحر من النفط ناهينا عن موارد اخرى كثيرة ربما لو استغلت لكانت افضل من موارد النفط.

الخلاصة المؤلمة

اليابان خضعت لامريكا عسكريا، لكنها تحررت وطنيا.

العراق تحرر عسكريا، لكنه خضع سياسيا واقتصاديا.

اليابانيون فهموا ان الهزيمة ليست في السقوط، بل في البقاء على الارض.اما احزاب السلطة في العراق، فقد اعتقدت ان التاريخ يدار بالشعارات، وان الدولة تبنى بالمحاصصة، فكانت النتيجة بلدا مكسورا، وسلطة فاقدة للشرعية داخليا والدعم خارجيا.

بين هيروشيما وبغداد، الفرق لم يكن في حجم الدمار… بل في عقل من قرر ماذا يفعل بعده.

 

 


مشاهدات 42
الكاتب احسان باشي العتابي
أضيف 2025/12/27 - 5:36 PM
آخر تحديث 2025/12/28 - 12:02 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 16 الشهر 20498 الكلي 13004403
الوقت الآن
الأحد 2025/12/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير