الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الغارة الأمريكية على داعش في نيجيريا بين منطق الردع وحدود القوة

بواسطة azzaman

الغارة الأمريكية على داعش في نيجيريا بين منطق الردع وحدود القوة

محمد علي الحيدري

 

ليست الغارة الأمريكية على معسكرات تنظيم داعش في شمال غرب نيجيريا حدثاً عسكرياً عابراً، بل مؤشر سياسي كثيف الدلالة على عودة منطق القوة الصلبة إلى واجهة السياسة الخارجية الأمريكية، خصوصاً في أفريقيا. فالتوقيت - المتزامن مع عيد الميلاد - والخطاب الذي رافق العملية، وطبيعة الإعلان عنها، كلها عناصر تجعل من الضربة رسالة متعددة الاتجاهات، تتجاوز هدفها المعلن في “مكافحة الإرهاب”.

من حيث الشكل، تعكس العملية أسلوب إدارة تميل إلى الحسم السريع واللغة الحادة، حيث جرى تسويق الضربة باعتبارها دفاعاً عن أقليات دينية مستهدفة، وليس مجرد إجراء أمني ضمن تعاون دولي. هذا التأطير الأخلاقي - الديني يمنح القرار العسكري زخماً داخلياً في الولايات المتحدة، لكنه في الوقت نفسه يختزل صراعاً معقداً في سردية ثنائية: “حماة مقابل إرهابيين”، وهي سردية غالباً ما تتجاهل جذور الأزمة البنيوية في غرب أفريقيا.

دعم استخباراتي

أما من حيث المضمون، فإن الضربة تكشف تحوّلاً في مقاربة واشنطن للقارة الأفريقية. فبدلاً من الاكتفاء بالدعم الاستخباراتي والتدريب، تعود الولايات المتحدة إلى التدخل المباشر، وكأنها تقول إن مرحلة “الإدارة من الخلف” لم تعد كافية. هذا التحول لا يمكن فصله عن التنافس الدولي المحتدم في أفريقيا، حيث تسعى واشنطن إلى تثبيت حضورها الأمني في مواجهة تمدد النفوذ الصيني والروسي، مستخدمة ملف الإرهاب كمدخل مشروع.

لكن السؤال الجوهري لا يتعلق بقدرة الضربة على إيقاع خسائر بداعش، بل بقدرتها على تغيير المعادلة. التجارب السابقة، من أفغانستان إلى الصومال، تشير إلى أن التنظيمات المتطرفة لا تُهزم بالغارات وحدها، بل غالباً ما تتكيّف معها، وتعيد الانتشار، أو تندمج في تشكيلات أكثر تعقيداً. وفي الحالة النيجيرية تحديداً، حيث تتداخل داعش مع بوكو حرام وشبكات تهريب محلية، فإن أي ضغط عسكري غير مصحوب بإصلاحات سياسية وتنموية قد يعيد إنتاج المشكلة بأشكال أشد قسوة.

سياسياً، يضع التدخل الأمريكي الحكومة النيجيرية في موقع ملتبس. فمن جهة، تحتاج أبوجا إلى دعم عسكري وتقني لمواجهة تهديد أمني مزمن. ومن جهة أخرى، يثير الانخراط الأمريكي المباشر حساسية داخلية تتعلق بالسيادة الوطنية، ويغذّي خطاباً معارضاً يرى في هذه الضربات دليلاً على عجز الدولة عن إدارة أمنها بنفسها. هذا التناقض قد يُضعف الجبهة الداخلية أكثر مما يقوّيها.

جماعات مسلحة

إقليمياً، تحمل الغارة مخاطر انتقال الارتدادات الأمنية إلى دول الجوار في حوض بحيرة تشاد، حيث الحدود رخوة، والجماعات المسلحة عابرة للجغرافيا. فالضغط على داعش في نيجيريا قد يدفعه إلى توسيع نشاطه في مناطق أقل تحصيناً، ما يعني أن “النجاح التكتيكي” قد يقابله “فشل استراتيجي” على المدى المتوسط.

في المحصلة، يمكن قراءة الغارة الأمريكية كخطوة استعراضية محسوبة، تهدف إلى تثبيت صورة الردع وإعادة رسم خطوط النفوذ، أكثر من كونها جزءاً من رؤية شاملة لمعالجة الإرهاب في غرب أفريقيا. القوة هنا تُستخدم لإرسال رسالة سياسية بقدر ما تُستخدم لإصابة هدف عسكري. لكن التاريخ القريب يعلّمنا أن الإرهاب لا يُهزم بالرسائل وحدها، وأن الطائرات قد تُسكت معسكراً، لكنها لا تُطفئ بيئة كاملة من الفقر والتهميش والصراعات المزمنة.

إن ما تحتاجه نيجيريا - وأفريقيا عموماً - ليس فقط ضربات “دقيقة”، بل مقاربة دقيقة أيضاً: أمنية، سياسية، وتنموية، تعمل معاً. من دون ذلك، ستبقى كل غارة، مهما بدت جريئة، مجرد فصل إضافي في حرب طويلة بلا نهاية واضحة.

 

 


مشاهدات 40
الكاتب محمد علي الحيدري
أضيف 2025/12/27 - 5:35 PM
آخر تحديث 2025/12/28 - 12:19 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 37 الشهر 20519 الكلي 13004424
الوقت الآن
الأحد 2025/12/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير