الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الدجاجة والبيض المسلوق

بواسطة azzaman

الدجاجة والبيض المسلوق

أحمد جاسم الزبيدي

 

في أيام زمان، حين كانت مدينتنا الوادعة تعيش على نبض البساطة، كانت المعارض السنوية تُعدّ حدثًا يشبه العيد الشعبي. تقام في مدرسة المحاويل الابتدائية للبنين، التي أصبحت اليوم مديرية للتربية — وكأن التعليم نفسه قرر أن يتقاعد ويجلس خلف مكتب خشبي!

في مدخل تلك المدرسة، رسمت على جدارين  خارطتان: خارطة للعالم العربي، وأخرى للعالم كله. ألوانٌ زاهية، خطوط متقنة، عمل فنان حقيقي… لكن كالعادة، لا أحد يعرف من هو هذا الفنان. فالمبدعون عندنا يظهرون مثل الجنّ: يشتغلون ويتقنون… ثم يتبخرون!

أما حديثي اليوم فليس عن الخرائط ولا عن المدرسة التي فقدت شبابها، بل عن تلك التمثيلية الأسطورية التي شاركنا بها في المهرجان: تمثيلية عائلة أبو جلوب. وقد تشرفت — أو تشاكسَت — بأداء دور «جلوب»، الطفل الذي كانت شقاوته مادة خام لأي كاتب كوميديا.

كانت الدجاجة بين يديّ، تنقنق وتفرفر، فجاءت أمي المسرحية تسألني بفزع الأم العراقية الأصيلة:

ها جلوب، شبيك ويه لدجاجة؟

فأجيب بكل ثقة طفل لا يعرف قوانين الطبيعة ولا قوانين وزارة الثروة الحيوانية:

أريد أخليها تشرب ميّ حار!

ميّ حار؟ ليش يمه ؟

حتى تطلع البيضة مسلوقة!

هكذا ببساطة… كنت أبحث عن اختصار الزمن، وعن حلول سريعة، وعن بيضة جاهزة بلا انتظار. من قال إن العبقرية لا تُولد في الطفولة؟

لكن يا أحبة

أتدرون أين المفارقة؟

اليوم، وبعد نصف قرن من تلك المسرحية، أكتشف أن «جلوب» لم يكبر وحده… بل كبر الوطن كله على طريقة جلوب.

فكثيرون اليوم يريدون لنا أن نشرب الماء الحار، حتى نخرج مثل البيضة:

بلا أغاني،

بلا موسيقى،

بلا مسرح،

بلا ثقافة،

بلا سؤال أو فضول

يريدون أفكارنا مسلوقة مسبقًا.

يريدون أجيالًا جاهزة، مطبوخة على نار المنع والتحريم، لا على نار الإبداع والحرية.

جلوب كان طفلاً لا يفهم.

أما الذين يريدون سلق عقولنا اليوم… فقد كبروا — وكبرت معهم البيضة!

فهل نحن دجاجة أخرى في قبضة “جلوبات” العصر؟

أم سنصرّ على أن نكون بيضًا يفقس… لا يُسلق؟

هذا هو السؤال، يرعاكم الله.

 

 

 

 

 


مشاهدات 73
الكاتب أحمد جاسم الزبيدي
أضيف 2025/12/13 - 1:42 AM
آخر تحديث 2025/12/13 - 4:07 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 139 الشهر 9182 الكلي 12793087
الوقت الآن
السبت 2025/12/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير