تحولات حمار
وجيه عباس
(مع جليل احترامي لاهلي العراقيين المؤدبين، لكن مواقع التفاصل الاجتماعي اظهرت لنا نمايم اسميها شخصيا ب"نغولة الباگلة)، فلهم خصيصاً هذه القصيدة صالحة النفاذ لألف سنة قادمة).
-------------
في مسرح الفُوضى يُزاحُ سِتارُ
كي تستعيدَ حضورَها الأدوارُ
هو للدمى وَطَنٌ، وأنتَ مُضيَّعٌ
مثلي، ولكنّا بهِ حُضّارُ
دورُ البطولة للحمير لأنَّها
الأنقى إذا صلّى بنا الخمّارُ
اللوحةُ العمياءُ كُنّا بعضَها
مُتَفرِّقينَ هنا، وأنتَ إطارُ
كانتْ حوافرُكَ الحدودَ فلم تكنْ
بسوى الحوافر تنطقُ الأوتارُ
وهناكَ كنتَ معي، ونُسمِعُ صوتَنا
لا "متعةٌ" فيها ولا "مسيارُ"
كنتَ الحمارَ، أنا الحمارُ وكلُّنا
كنا الحميرَ وكلُّنا المُختارُ
وطغى النهيقُ وليس ثمَّةَ مَخرجٌ
والحاضرون تدافعوا وانهاروا
في مسرح الفُوضى بقيتُ وأنت
كنتَ معي ليبدأ من هناك حوارُ
*****
وأنا مواطنُكَ الأخيرُ وإنَّني
ياسيدي في رحبتيكَ حمارُ
وعلى اثنتينِ مشيتُ خطوي واثقاً
أن الحميرَ على ثراكَ كِثارُ
لي "طُولةٌ" وطنٌ وأنت رئيسُهُ
فعلامَ تنكرني بها الأبصارُ؟
وأنا ربيبُكَ شِبْتُ فيكَ غوايةً
لا الهديُ يشفعُ لي ولا الأذكارُ
وحدي حملتُك فوق ظهري مؤمناً
أن السياسةَ أهلُها تُجّارُ
كنتَ الصليبَ فهل سمعتَ بموطنٍ
صلبوا الحمارَ لأنَّهم ثوّارُ!!؟
مُستضعَفاً وحدي كأهلِك في الثرى
ويُسيَّرونَ كأنَّهمْ أحجارُ
وَهُمُ القطيعُ ولي عصاي وإنَّما
الراعي يقودُ وإنَّهُ جزّارُ
أولاهُ ربُّكَ سلطةً وقيادةً
وكأنَّه مابينهم مختارُ
وعصاهُ تجلدُ بالظهورِ نكايةً
ويقولُ إنّا أمَّةٌ أحرارُ
لكنَّنا كنا الحميرَ، وفخرُنا
إنّا نُطيعُ وغيرُنا كُفّارُ
*****
كلُّ الشعوبِ حميرُ قادتِها التي
عَبَدَتْهُمُ فَهُمُ بهمْ أبرارُ
وَيُسبِّحونَ بحمدِهِمْ وكأنَّهم
يستغفرون وربُّهُمْ غفّارُ
وَيُعَنْفصونَ إذا كفرتَ بربِّهِمْ
وَهُمُ علينا سيفُهُ البتّارُ
كانوا به الأعدادَ حين تعدُّهمْ
فلأنَّنا بحميرِهِمْ أصفارُ
حملوهُ فرعوناً هناك وحسبُنا
أنَّ الحميرَ تفرعنوا وأغاروا
يستكثرون على الحميرِ إذا حكتْ
فلِأنَّنا في عرفِهِمْ فُجّارُ
لكنَّني وحدي نطقتُ لأنَّهمْ
فرط الحياءِ من الحميرِ صغارُ!!
*****
هم يشتمونَكَ قربةً للّهِ يا
للّهِ كيف تبدَّلتْ أدوارُ
بأبي الحميرِ كُنيتُ فيكَ وإنَّني
فيكمْ أبٌ وَأَخٌ بكمْ دوّارُ
وَلَذاكَ قدرٌ لا أفيهِ مقامَهُ
بين الحميرِ وإنَّها أقدارُ
أنا مثلُكمْ كنتُ الحمارَ بموطنٍ
كنتمْ بهِ خشباً وإنّي النارُ
كُنتم بهِ خُرُساً وكنتُ لسانَكمْ
ولأنتُمُ الفقراءُ حتى ثاروا
وحدي وكنتُ عباءةً في نسوةٍ
سَتَرَتكُمُ وأنا بها الستّارُ
تلتفُّ حولَكُمُ اتقاءَ مهانةٍ
فيها دمي وفمي بِها أشطارُ
ألا يَمُسَّ حميرَكمْ متصاغرٌ
طرقَ الرؤوسَ وإنَّكم مسمارُ
كنتم هناك أظلَّةً لكنَّما
رأسي على تلك الرماحِ يُدارُ
تلك الرماحُ رماحُ أهلي عقَّني
فيها الصديقُ وإنَّهُ غدّارُ
ولِأنَّني كنتُ الشجاعَ تطاول
الجبناءُ في شتمي هناك وجاروا
نبحت كلابُ الحيِّ وجهي إنَّني
في وجه مكلبةٍ هناك جدارُ
إنْ أولغوا بدمي أقولُ هُمُ بها
نَفَرٌ، ولكنَّ العقوقَ شعارُ
أهلي بها هم اصعدوني نائباً
وتنازلوا عني هناك وداروا
*****
الله ياوطنَ الحميرِ نهيقُهُ
بين العوالم كلُّهُ أشعارُ
ولأنت ساريةُ العوالمِ بيننا
كنا النجومَ بها وأنت مدارُ
أعطاك ربُّك ما فخرتَ بملكِهِ
بين الخلائقَ إذْ يميزُ فخارُ
ولأنتَ وحدَك في الحضارة ماجدٌ
وسواك لا قِيَم ولا آثارُ
*****
مستضعفان أنا وأنتَ وحسبُنا
أن الذين تكالبوا أشرارُ
وبأنَّهم حين استطالوا سوأةً
فينا عذرناهم فهم أبعارُ
لو أنهم وزنوا هناك عقولَهم
وجدوا بأنّا دون ذاك كبارُ
وبأننا فيهم جمعنا شملَهم
ونلمَّهم فِرَقاً وهم "طِشّارُ"
وجهي ووجهُك توأمان لأننا
كنا الحميرَ بهم وهم أبقارُ
جهلوا وكنتُ هناك فيهم صادقاً
ومعي تقولُ وكلُّنا أسرارُ
وأعيذُ حكمتك البليغةَ أن تَهُنْ
لو يشتمنَّك عاهرٌ شعّارُ
لم يستطل لمقامِ حافرِكَ الذي
تمشي عليهِ وأنت لا تحتارُ
فلِأن فطرتَكَ السليمةَ عالَمٌ
في اللطفِ لا ضَرَرٌ ولا إضرارُ
وبِأن حملتَ متاعَهم ولأنتَ لو
حملوك فوقَ ظهورِهم أسفارُ
لكنَّ ذاكرةَ البلادِ كطينةٍ
ستذوبُ لو تجري بها الأنهارُ!!
سيكونُ فرعونٌ هناك فراشةً
ورقابُ من أفنى هناك تغارُ
ويكونُ فرعونٌ شهيداً خالصاً
فيهِ يُعزّى اللهُ وهو الثارُ
للاوراء نعود فيها بولةً
لبعير مخصيٍّ به نمتارُ
وتكون ذاكرةُ الشعوبِ كبولةٍ
في الشطِّ يحملُها به التيارُ
عاراً كما شاء الزمانُ لأنَّها
عارٌ وعارٌ في المكانِ وعارُ...
لكنَّ ذاكرةَ الحميرِ حقيقةٌ
وكأنَّها جرحٌ به نغّارُ
حريَّةُ الوطنِ الحميرِ بصدره
وطنٌ به، لكنَّهُ إيجارُ
*****
أنا ياصديقي مثلُ كونِكَ إنَّني
بين الحمائر كوكبٌ سيّارُ
أنا ذا ضميرُك في الحميرِ مترجماً
هذا النهيقَ وإنَّهُ مزمارُ
حتى الأصمُّ يُعيرُ دونك سمعَهُ
ولما تقولُ لأنَّهُ إشعارُ
مابيننا كل الوجوه غريبةٌ
وتشابهت فينا ونحن ظِهارُ
لكنَّنا كنا الضمير بعالمٍ
أعمى تسيِّرُهُ به الأقدارُ
وبحثتُ عن عقلٍ معي ليقولني
ووجدتُ أنَّك وحدَكَ الحفّارُ
فلأنَّ مقبرةَ البلادِ كبيرةٌ
ويسودُ فيها الأرعنُ الثرثارُ
ولذاك كنت معي صدوقاً أيُّها
المتوثِّبُ اللمّاحُ والجبّارُ
يكفيك أنك لم تخن لوخان
موطنَك المهيبَ مُقامرٌ سمسارُ
ولأنَّ مِعجمَكَ الوداعةُ كلُّها
كنتَ العديدَ وكلُّهم أنفارُ
أبصرتُ وجهَكَ والنزاهةُ ملؤُهُ
فلأنَّ جيبي مثلُ وجهِكَ دارُ
آمنتُ بالفقراءِ مثلَكَ حدَّ أن
كفرا به الدولارُ والدينارُ
وطني يُباعُ ويُشترى وتهون لو
غالت او امتهنت به الاسعارُ
إنّا سواءٌ ياحمارُ لأننا
بين القطيع أجانبٌ أخيارُ
وبأنَّنا كنا نُحرِّضُ أمَّةً
نامتْ فأيقظها هناك حمارُ
وبأنَّنا مُتنا لأجل قضيةٍ
دون البلاد وموتُنا تذكارُ
كنا بها الموتى نثور،فتتَّقي
الأحزابُ وجهينا فهم أدبارُ