الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الجوع والحرية والديمقراطية

بواسطة azzaman

الجوع والحرية والديمقراطية

مزهر الخفاجي

 

القناعة ليست فضيلة مطلقة... بل يصفها البعض على انها:

- « قِناعٌ وُضِعَ على فم الجائع كي لا يصرخ... وعلى عينيه كي لا يرى كيف تُدار الثروات

     بطريقة تُسَهِّل من سرقتها.... ويحاول البعض ان يسوق مفهومها ليكون قريباً من قلوب الفقراء..  كي لا يحقدوا».

نعم....... ان السردية التراثية قد تتحول الى قيد... والمثالية المشحونة في مفرداتها.... الى مُخدِّر جماعي أو يمكن القَول انها كأس خمرٍ رخيص الثمن يحتسيه الفقراء كي ينسوا.

 

فالاغنياء الاثرياء والمترفون المتربعون على السُلطة والمتمكنين من مالها لا يُعلِّمون ابنائهم كيف تُشترى السعادة، بل يُدرسونهم كيف يورث النفوذ عن طريق المال... وكيف ان المال مورث السعادة ومن ثمَّ السلطة. اما الفقراء فان عتبات معرفتهم الاولية تتجلى في ( القصد هنا عتبة البيت أو المدرسة أو الجامعة أو دور العبادة):

ان يتعلموا كيف يبتسمون للجوع ويحمدون نعمة الحرمان، لان السردية المخصصة لهم تورد  ان فلسفة القناعة التاريخية والدينية والاجتماعية في محاولة دائمة من اجل ترسيخ مفهوم:

ان  القناعة كنز لايفنى…وان الحرية لن يحظى بها إلا ذو حظ عظيم..القناعة وقلة مقارباتها الشعبوية  والحاضرة في ثقافة مجتمعاتنا ..ليست إلا قبولا لبس لبوس القناعة .. وهي فضيلة وهمية بلا شك تحاول فيه ثقافتنا في سردياتها الأجتماعية ان تبقيَ الهرم الاجتماعي مقلوباً، حيث تحاول فيه ان تبقى القاعدة ( جموع فقراء الشعب) صامتـــــــة ورجــــــــال القـــــــمة مرتاحين.

حقيقة مطلقة

ان ُمدرك القناعة بالمقلوب... هو القناعة المرتبطة بالمَرْضي الصامت واوهامه لكي يصبح الانسان مقتنعا على انه يملك الحقيقة المطلقة... فضلا عن اغلاق منافذ عقله أمام كل احتمال. حيث يتحول جهلهُ المستند الى ثقافة المجموع الى حقيقة وعندما يستولي مفهوم القناعات الوهمية على عقله، عندها لا يسعى بالبحث عن الصواب، فضلا على انه لا يراجع افكاره ومبادئه التي تُشكل مهاد وعي وثقافة الفرد،والغريب ان ثقافة القطيع او الجمهور  يظل يدافع عن فتنة السردية التاريخية والموروث الاجتماعي كونها هي المنقذ من ظلاله او هي دالته الى الأستقرار ..او ربتما هي عنوان فضيلته القائمة على الأنتظار.

( كأنها هو) ... وهنا يتحول الخطأ الى مبدأ... والعِناد الى إيمان... والعَمى الى يقين مقدّس... وربما نرى قناعات قد ارتبطت بالحراك او بالتفاعل أو قولوا....... التمرد، الذي يتبناه الفيلسوف ( نيتشه) عندما يقول:

- « لقد هزأت من هؤلاء الضعفاء الذين يعتقدون انهم صالحين لمجرد ان لا مخالب لهم... وانهم بصمتهم هذا انما يمثلون الفضيلة».هنا دعونا نفكك قول نيتشه، إذ ان هذا الفيلسوف يرفض ان تقترن الفضيلة بالعجز، والقناعة بالصمت... فهؤلاء الضعفاء الذين يمثلون أغلبية مجتمعاتنا يعتقدون انهم صالحون باستنادهم الى فرضية انهم لا يمتلكون مخالب.

قناعات وهمية

اولائي الفقراء الصامتون... عالقون في وهم الفضيلة هم الذين يستبدلون الارادة الحرّة بالخضوع ويستبدلون القوة بالاستكانة... وهذا ما جعل الكثيرين من علماء الاجتماع يذهبون الى توصيف اصحاب هكذا قناعات باصحاب القناعات الوهمية... او الفضيلة الناقصة.

لذلك يصبح الخدر لديهم وكأنه انعكاس للضعف... وهو ليس خيارا حرّاً بل انها تنبع من ارادة متمكنة ومتخيلة في ذاتها كما هي قناعاتهم.ان الفضيلة  ، القناعة ، الأستكانة ، القبول بالواقع ،وهم... التي هي في السردية الاجتماعية التي كانت  تستمد مفاهيمها من مركزياتها الثلاث: ( التاريخ، الفضيلة، والتراث) ويبدوا ان المركزيات الثلاث والتي تمتد في عمق تاريخ مجتمعاتنا العربية.

 تكرس ثقافة إجتماعية تُكون فيما بعد عقلية مجتمعية ترسخ قناعات اجتماعية قائمة على ثالوث (الصبر ، الانتظار ، الفرج) وان :

- ( الانتظار الذي يأتي من بعده الفرج).

والمأساة الحقيقية هنا، ان هذا الانتظار عند الافراد والجماعات يتحول الى اسلوب وفلسفة  حياة كأنتظار البعض لوظيفة ما والتي  لا تمنح معناً حقيقي للوجود... انتظار لا يشبه الاحلام...

 انتظار فرصة... انتظار الفرج... انتظار الضوء... انتظار المعجزة بصيغة المُخلِّص.

 

 

 

ان تعليق حق الجماهير والشعوب في  العيش الكريم على هذه الفرص، إنما يستند على مفاهيم ترسخت في العقل الجمعي... عاش على مفهوم الفضيلة، القناعة ، الوهم ..أو انبلاج فجر المُخلّص.

علينا هنا... أن نُقِرْ ان حقائق عِلم النَفس تفكك مثل هذه السلبية في السلوك الجمعي على انه:

- ( ان ما تُمارسه يوميا ستتقنه بكفاءة وسَتُدمن عليه، فالذي يتمارض سيمرض... والذي يتذلل سيُذَلْ والذي يتعود القلق سيقلق حتى من رنة هاتفه؟).

وحول موضوع سقوط القناع:

والمقصود هنا بالقناع هو شعور الشعب والجماعة الوطنية وعقدها الاجتماعي على انه محض افكار... يتيه فيها الفرد ولا يستطيع ان يميز بين الحرية والوطن والهوية. وحول هذا الموضوع يؤكد المفكر د. عبد الوهاب المسيري:

- « نعم. في المجتمعات التي يصبح فيها الوهم فضيلة والصمت اخلاقاً او القناعات البالية

    مقدسات، وان ( الدولة، الحكومة، والسلطة) تُدار لحساب نخبة وليس لحساب الوطن...

    يصبح الفرد غير قادر على التضحية من اجل الوطن... لذلك يتصرف هذا الفرد /

    المواطن من اجل البحث عن مصلحته الخاصة حتى وإن فرط بحقه او بحريته او تنازل عن وعيه ..او عطلهُ».

وأضاف د. المسيري:

- « الخوف كل الخوف من ان تتحوّل الدولة الى آلة تخدم قلّة مُتسلطة لا شعب بأكمله تعتريها القداسة التي يبنى عليها معنى التضحية، هنا الوطن اذاَ تحوّل الى شركة

    خاصة... تُقسّم ارباحها على الممسكون بالسلطة وهم قد يكونوا نُخب الطارئة... وتترك الخسارة يتقاسمها جموع الشعب»...في هذه الحالة  التي يسود فيها غياب التمييز الواضح بين الوعي بالحرية ، والحرية غير الواعية ..لم يعُد الوطن فكرة جامعة... بل قيداً فاقداً للشرعية، وعندها يتعرى الانتماء للوطن من رمزيته وتذوي الحماسة التي كانت تدفع الفرد ليبذل حياته من اجل حرية وطنه، لان الدماء لا تُسفَك من اجل اوطان مُصادرة!.

لا بل من أجل قيم وحقوق يتقاسمها الجميع. وعندما تسقط الاقنعة التي ترتديها النُخب والمُمسكون بتلابيب السلطة الطامعين لاستخدامها من اجل تثبيت وجودهم... وحين يسقط القناع عن هذه الوجوه ويكتشف ( الفقراء / المكَاريد) ان شعارات الوطن والوطنية وخدمة الناس.

ما هي إلا شعارات من اجل الحصول على مكاسب ضيقة، لذلك ينقلب الوفاء الى سخرية والاخلاص الى عزوف... فلا يبقى امام الفرد / الشعب إلا البحث عن رغباته الخاصة... كغريزة نجاة اخيرة وسط خراب المؤسسات والقائمين عليها.

هنا لا ينهار ايمان الفرد بالوطن فحسب ولا بانتماءه له ولا بهويته، لا بل تنهار الفكرة نفسها ( واقصد المواطنة) من جذورها ويفقد الفرد والمجموع الكيمياء الواحب حضورها بين الحرية والوطن.. لأن الوطن في التفكير الجمعي البسيط ليس ارضاً تُحكَم.

      بل إنتماءاً و عقداً اخلاقياً وانسانياً واضحا فاذا انكسر هذا العقد لا يصبح في عقل الفرد / الشعب اي مكان لشيء اسمه ( وطن). بل مسرحاً يلعب على خشبته اللاعبين ادوراهم ( الفقراء و الممسكون بالسلطة).

          يؤولون في تفسير حقوق الفرد /الجماعة  بالعقد الاجتماعي /الدستور اللذان لا يشبعان ولا يغنيان من جوع. ويبدو ان مجتمعاتنا العربية، خصوصا المجتمع العراقي ، المصري منها قد عاش منذ اكثر من مئة عام على مبدأ كرّسهُ الحكام:

العبودية الفكرية تحاول ان تسلب من مجتمعاتنا وعيها وتحاول ان تسوق فكرة من كونك عبداً... وان الجسد المقيّد قد يحلم يوماً بالتحرّر، لكن العقل المستلب لا يحلم إلا في توفير الطاعة كفضيلة التي  تخدم سجّانه؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!.

كل هذا يحصل عندما يغيب الوعي المتنامي ويحضر وعي الانسان الوهمي الساذج  القائم على ترسيم مفاهيم  القناعة /الفضيلة والطاعة ، قناعة. وذلك بسبب كم القيود  الوهمية التي ترسخ قناعات ساذجة في عقل الفرد والمجتمع على حد سواء..ووصول هذه القناعات حد القداسة؟

حتى تصبح الفضيلة ، القناعة وهىم…الذي يتلبس العقل الفردي والجماعة الشعبية  الفرد والمجتمع الشعبي  التي توصف على انها اشبه بالوباء، حتى يوصل الممسكون بالسلطة الى ترسيخ وهم عدم التطابق بين الحرية والوطن .

هذه محنة  عاشتها مجتمعاتنا العربية ما بعدها  من محنة!!!!!!!!!!!!!.

ولعلنا في هذا المضمار نستعير عبارة المفكر العالمي جان جاك روسو عن الوطن عندما سُئل ،  اجاب قائلا:

- « الوطن هو المكان الذي لا يبلغ فيه المواطن من الثراء ما يجعله قادرا على شراء مواطن

     آخر، ولا يبلغ فيه مواطن من الفقر... ما يجعله مضطرا ان يبيع نفسه او كرامته..؟» وعَودا على بدء.. تُرى ما علاقة الحرية بالجوع.. وإذا ركزنا في تاريخ مجتمعاتنا العربية البشري نجد ان الجوع هو الذي دعى رواد الحضارة في توكيد ان فكرة الانتقال من عــــصر ( جمع القوت) الى عصر ( انتاج القوت) والتي عبرت عن بداية ترسيخ مفههوم حرية الاستقرار او المدينة او الأقليم او الوطن.

التي ارتبطت بعد ذلك بالاستقرار البشري وبداية العصور التاريخية، التي كان عِماد هذا الاستقرار البشري تعلّم طرق الزراعة في المدن التاريخية الاولى. ويبدو ان الجوع نفسه...

كان مَدعاة للهجرة من مدينة الى اخرى ومن بلد الى آخر، وربما كانت... ونقصد ( الجوع، القوت، الثروات، والمغانم) سبباً في غزو اقوام لاقوام اخرى في مختلف الاماكن على الارض.

وما ان استقرت البشرية حتى بدأ التدوين، ثم اكتشاف الكتابة، ثم ظهور القوانين، التي كانت استدعاءاً بشرياً واضحاً لفكرة سيادة مبدأ العدل وضبط الحرية التي باتت وفق مبادىء الحرية البدائية.

هذه المبادىء تظهر تمدد هذه الحريات... لتتحوّل من بعدها الى فوضى تحتاج الى ضبط اجتماعياً  محكوماً بأراف قانونية بدئية تتفق وتوافق عليه الجماعات البشرية الساكنين في مكان واحد... وهنا اقصد بعد عملية الاستقرار والنهضة.

حينها قررت الجماعة البشرية تقنين الحرية وحصر العنف بيد الدولة او الجماعة الحاكمة... وهذا الامر هو الذي جعل المفكر جون لوك أن يقول:

- « الحريّة ليست أن تفعل ما تشاء.. بل أن تكون أنت... كُن نفسك حتى لا تخسر ذاتك».

والواقع ان التضاد بين الحرية والفوضى قد تخلق مجتمعات مقلقة- هشة يتسيّد فيها الجهل على الحرية. وحول هذا الموضوع يقول عالِم النفس سيجموند فرويد في مبحثه ( الحرب والحضارة والموت):

- « الواقع ان الناس ليسوا مجرد مخلوقات مهذبة ودودة تتمنى الحب، ولا تملك إلا الدفاع عن نفسها لو هوجمت، لكن قدراً كبيراً من رغبة الاعتداء يشكّل جزءاً من طبيعتهم

    الغريزية».

هنا.... علينا ان نعترف ان الحرية في مفهومها البدئي كانت عند الكثير من الفلاسفة وعلماء الاجتماع في جوهرها كانت تهدف الى تحقيق السعادة... وبهذا الخصوص يشير المفكر شوبنهاور الى:

- « ان الاستقرار والسعادة ليست مُنتج خارجي، ان السعادة تعتمد اكثر على ما في داخلنا وعلى ما يُحيط بنا».

هنا... يقصد شوبنهاور: ان السعادة الحقيقية لا تأتي من امتلاك المال، ولا من الناس ولا من الظروف التي نعيشها، بل تدفع من داخلنا ومن طريقة تفكيرنا، ومن سلامنا الداخلي.

أما إذا كنت مضطربا من الداخل فلن تجدها  ان المترشح هنا من ان الحرية تُستدام في الاوطان في ظل نسقية تاريخية قائمة على ثُلاثية (الجماعة الحاكمة ، دستور ، جماعة وطنية) . والجدير بالذكر ان اولى مقدمات الجهل هو اعتبار الحرية ومدخلاتها من ترف او راحة قد تخلق السعادة وتتحقق في التفكير فيما ينقصنا...

فضلا عن الرغبة بلا وعي في امتلاك الحرية والسعادة والاشياء التي تنقصنا، وان الرغبة في الامتلاك تُعد أصل معاناة مجتمعاتنا التي قد تبدأ بالجوع وغياب الأمن وعدم الاستقرار وغياب القانون وشيوع منطق قوة السلطة .. وليس سلطة القوة .. ان مجتمعاتنا العربية ومنذُ قرون محكومة بالاحتياج الدائم (حرية ، عيش كريم ، وطن) .

     فمجرد ان تملك حقك في ( الحريّة) قد يفقد بريقه... لأن الرغبة العمياء داخلنا لا تهدينا، بل تنقل من رغبة الى اخرى في سلسلة لا تنتهي من الرغبات. فالتفكير في التنصل هو تعبير عن طبيعتنا البشرية.

       وان هذه تُقاد من الداخل نحو التملك والنمو والاكتفاء، وذلك نحو مزيد من التملك الذي يخلق فيما بعد من الألم المغلف بالأمل... حيث لا تستفاد بما تملك لأن النِعم صامتة.. لكن النقص يصرخ في اعماقنا...

   فنركض وراء ما نعتقده اللحظة وننسى ان في ايدينا ( في صرتنا) ما يتمناه غيرنا فقد نحصلُ على الحرية ونُشبع بطوننا فنفرط بأوطاننا تحت فرية ولاء وهمي او انتماءاً طوباوياً او أيديلوجية عابرة او قد نجد اوطاننا لكننا نفرط في حقنا في الحرية وفي رغبتنا في اختيار جماعاتنا الوطنية الحاكمة وحتى في انجاز مشاريع عقدنا الاجتماعي /دساتيرنا والتأسيس عليها لخلق كيمياء تتفاعل فيها الحرية مع الوطن .

واقتراباً من الواقع ان ما يحصل او يدور على هامش الديمقراطية، التي هي منجزاً من منجزات الحرية المبتلاة في وطننا العربي في نموذجيها (العراق ، مصر) ... التي لم تستقم بعد رغم تراتبية ممارساتها الديمقراطية منذُ قرابة اكثر من قرن .

ولا حتى جاهزية مواطنيها في استثمار فرص استخدام حقه الشرعي والدستوري في اختيار جماعتها الوطنية الحاكمة  وسلطاتها الثلاث (التشريعية ، التنفيذية، القضائية ) . كل هذا الارباك الذي الحاصل في مشهد ممارسة حق مجتمعاتنا في حقها الديمقراطي  سببه العوز او الحاجة او الجوع  والذي ساهم فيه احتلال مستدام ، حكومات لم تخرج من قاع المحِنه ولم تقدم برامج تحقق عدلاً نسبياً يمنعُ الشعوب من الوصول الى حافة الجوع ، والتخلف ، والجهل ، وحتى التفريط في حريتها ..وهنا  نتذكر ما قاله الاديب فيكتور هيجو:

- « ان فردوس الاثرياء... مصنوع من جحيم الفقراء».

فالثراء عند هيجو ليس نتيجة قيصرية او اجتهاد للجماعة الحاكمة، بل ثمرة استنزاف طويل او خطيئة مقنعة باسماء براقة منها تبادل المنافع او خدمة الجمهور او الانحياز للفقراء او فضيلة مقدسة....

فالفردوس الذي يُهلّل له ( المرشحون / المنتصرون) في انتخابات التشريعية  عام ٢٠٢٥ في كل من العراق ومصر ليس سوى الجانب الآخر من الجحيم الذي كرسته وعودا كاذبة وشعارات فضفاضة وبرامج ستنسى بعد حين.

ان النظام الذي يأتي عن طريق شراء ذمة الناخب الفقير الجائع والمعوز... انه نظام غير اخلاقي بالبتة وهو يثلم شرف المواطنة ويسيئ للحرية ويكبل الديمقراطية في قيود او لها قطيعة سايكلوجية تبدأ من التضليل وتنتهي بشراء اصوات الشعب السعادة منه فوق شقاء الفقراء المُصادَر.

ان حصول الافراد الناخبين على مبالغ تسد رمق الجائعين او هدايا تستغل حاجاتهم او خدمة هي بهجة مزخرفة مؤقتة.. وهي صرخة لم تُسمَع ولا يُراد لها ان تُسمَع  ستتبعها صرخات اخرى... قد تدعو للتمرد.. أو تشيع لقناعة او فضيلة وهم قادم !!؟؟؟.

وبنا ان الديمقراطية لعبة كما يقول اساتذة العلوم السياسية فيبدوا ان مجتمعاتنا العربية قد اتقنت هذه اللعبة ..فسولَ لها وعيها او لوسلوكها الخاطئ او حاجتها او ربما عدم ثقتها بالأخر ، ان تلعب مع هذه النُخب السياسية الطارئة .

وهنالك فذلكة فلسفية في مبررات سرقة الحق في ممارسة الحرية من الشعب الجائع او الاغلبية المغيبة تعتمد على:

 

أولاً:

     الصمت... والبعض يذهب الى ان هذه السرقة هي حق للناس في ممارسة حقها في الديمقراطية... وهي انما تعود الى كسل هذه المجتمعات او صمتها الواقعي،  وحول هذا الموضوع يؤكد المفكر ( ايلي فيزيل):

- «  ان اكثر ما يؤلم الضحية... ليست قسوة الجلاد، بل صمت المتفرجين».

اي بمعنى ان الالم الحقيقي لا يتجسد فقط في فعل الظالم، بل في اللامبالاة التي تمنح الجريمة شرعيتها بالصمت... فالفرد، المواطن، الشعب، الجماعة الصامتة تضاعف من شعور الضحية بالعُزلة.

وكأن العالَم كله راضٍ بما حدث او تواطىء مع الحرامي والسارق والجلاد. وحول هذا الموضوع اي الصمت يقول معظم علماء الاجتماع  من ان تكرار او الاصرار على الصمت الاجتماعي في ظل مصادرة الآخر لحقك في العيش والتغيير.

يصبح شرعية للقسوة ، للخداع ، للعبودية، وبهذا يمكن القول ان اخطر ما يواجه العدالة... ليس قوة الظالم او حجم الاغراءات التي يقدمها... بل صمت المظلوم وصمت من يعرف الحق ويغض الطرف عنه، وهو بهذا يُشارك في ترسيخ ظاهرتين مُستنكرتين:

الاولى: تغييب الوعي.

الثانية: تمكين الظالم من مصادرة الحق في الحرية من خلال السكوت او الصمت عليه.

ثانيا:

غلو الولاء غير الواعي، واغلب الذين جارو على الحرية وهم يمارسون حقهم في ممارسة ديمقراطية مكشوفة تتسم بتغليب ولاءهم العصبي القبلي او الطائفي الديني او مجاراة القطيع. والولاء المقصود به هنا، الولاء غير الواعي. الذي يصفهُ الروائي جورج اورويل:

- « انعدام التفكير ويعني الحاجة- التفكير».

والولاء يصبح بعد ذلك جزءاً من عدم الوعي يتحول بها الولاء غير الواعي الى آلةتبخيس وبلاء ربما يُكرس فكرة جهل الوعي الجمعي . ذلك الولاء الذي يجعل الفرد غارقاً في انصياع الوعي  والذي يؤدي الى تدمير عقل وارادة وذهنية الفرد.

  وهو بهذا يُعطل وعيه او يُسخره بشكل سلبي حين يختار ما لا يمثله ولا يعبر عنه، وليس له ولاء لطموحاته في الاصلاح والتغيير والعيش الكريم. ان هذا الولاء وفق هذه المقاسات ليس فعلاً اختيارياً محضاً. بل هو انعكاس ضمير جمعي يؤثر فية  ويتأثر فيه.

      لتتحول فيه مجتمعاتنا الى دمى راقصة.  ان مجتمعاتنا  العربية في اختيراتها منذ منتصف الخمسينيات صارت تدمن ولاءات فارغة قد جربت فشلها وخطئها وخديعتها لها... لكنها مصرّة على تكرار التجربة من دون مسوغ انساني ولا اجتماعي ولا مسوغ ايماني ولا اخلاقي .

ثالثاً:

      الجهل مع الحرية، تصر مجتمعاتنا وشعوبنا العربية نع الأسف طيلة اكثر من عشر عقود  على التجاور الجهل  مع الوعي، خاصة عندما يدرك الناس من ان الدولة تُدار لحساب جماعة  وليس لحساب وطنٍ او بلدٍ او دولة .

ان لحظة سقوط القناع كما يقول المفكر عبد الوهاب المسيري يقلب وفاء الفرد / المواطن الى سخرية. وان اعلى مراحل هذه السخرية هو ان ينقلب الجائع الفقير الى سارق مؤقت ..بأمتياز  فيأخذ ثمن حريته.

وذلك كناخب يمارس حريته لقاء مبلغ.. يشعــــــر فيه هذا المواطن انه يسترد حقه ( اي ما تم سرقته منه) خلال سنوات من سارق محترف... والغريب مهما تفنن هذا المحترف المرشح السياسي على الناخب فان الجياع كانوا اكثر مكراً وحيلة  في خذلانه .. وقريبا من تعريف فلسفة الحياة وموقع الانسان فيها يقول شوبنهاور عند وصفه الحياة:

- « ان الحياة تشبه بندول الساعة تتأرجح بين الألم والملل».

اي بمعنى ان رغبة الانسان الجامحة على شيء ينقصه تعتبر الماً.. وهو يعاني الحرمان كيف لا وهو يمضي اكثر وقته في اشباع رغبته ظنا منه من انها الطريقة المثلى لتحقيق سعادته.

لكن الغريب في الامر... هو ان الانسان بمجرد ان يتحقق له ما قاتل من أجله لشهور او لسنوات عديدة.. حتى ينتابه شعور عميق بالملل ليقرر مجددا خوض معركة اخرى بغية الهروب من رتابة واقعه.

وهكذا دواليك.... يعيش لحظة الالم من جديد... هذه اللحظة الشاخص فيها الفرد بعد بيع صوته، ضميره، وقناعاته، ووعيه، التي أخلّت في وطنيته المبتلاة.

وتستمرُ معاناة الفرد وعياً وسلوكاً في التعاطي مع الحرية والوطن ..والتي قد تزعزع فيها مبادئ الديمقراطية في مجتمعاتنا الناهضة .


مشاهدات 40
الكاتب مزهر الخفاجي
أضيف 2025/12/06 - 2:39 PM
آخر تحديث 2025/12/07 - 10:26 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 335 الشهر 4864 الكلي 12788769
الوقت الآن
الأحد 2025/12/7 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير