الزمن البطيخي

لطيف القصاب

حدث قبل أيّام أن ثارت ثائرة بعض الأصدقاء، وجلّهم أو كلّهم ليسوا من الصداقة في شيء أو على شيء، ثارت ثائرتهم على العبد الفقير لا لشيء إلا لأنّي استعملت كلمة تدخل في باب العامي الفصيح، ويستطيع أي أحد العثور عليها، وسائر اشتقاقاتها في معاجم العربية المعتبرة ابتداء بمعجم العين للخليل رحمه الله، وانتهاءً بقاموس تاج العروس للزبيدي. وهذه الكلمة هي: (الخرائي) التي تشيع في العراق وبعض الدول العربية، ويُراد بها غالبًا التذمر من حالة عامّة أو خاصة، فيقال في اللون غير المرغوب به (لون خرائي)، وفي وصف الجو إذا كان مغبرّا مُتْرِبًا (...خرائي)، وفي نعت الأديب الهزيل سواء أكان كاتبا أم شاعرا (...خرائي)، وهكذا... وعلى الرغم من أن الكلمة تنطوي على دلالة سلبية وتدخل في سياقات البذاءة ونحوها، لكنها حالها كحال الجم الغفير من هذا الضرب يُحتاج إليها حاجة ماسة في أحيانٍ كثيرة. وأقول: بصفة عامة ليس في الذخيرة اللغوية لفظٌ غير لائق مادامت دلالته تُصيب الغرض المطلوب بالصميم. ومن الناحية المعجمية الخالصة فإن مادة ( خ ر أ)، ومصدرها الخُرء بضم الخاء، وتسكين الراء هي العُذْرة، وتُطلق على الغائط من البشر، وتُجمع جمعَ كثرة على زنة فُعُول، وأَلِفُ المادة تأتي بهمز ومن دونه... والنسبة من (خرأ ) خرائي! انظر الصحاح للجوهري على سبيل المثال... ومما ورد من مشتقات اللفظ آنف الذكر ما جاء في إحدى قصائد الصاحب ابن لنكك-  شاعر بصري من أعلام القرنين الثالث والرابع الهجريين (تـ 360هـ )، ومعروف بنقده السياسي والاجتماعي والاقتصادي أو النقد الإنساني بصفة عامة- إذ يقول:

لُعنتم جميعًا من وجوهٍ بليدةٍ

تكنّفهم جهلٌ ولؤمٌ فأفرطا

وإنَّ زمانًا أنتم رؤساؤه

لأهلٌ لأنْ يُخرا عليه ويُضرطا

أراكم تُعينون اللئام وأنّني

أراكم بطرق اللؤم أهدى من القطا...

محل الشاهد(يُخرا).

انظر معجم شعراء العرب... و(الخرا) في بعض اللغات الأفريقية تعني البطيخ الأحمر... و(الخرا) في اللغة الهندية كلمة مستملحة، أو سائغ، ولعلها مأخوذة عن الفارسية التي أخذتها بدورها عن العربية، وثمة أغنية هندية رائجة على اليوتيوب باسم ( زمانا خرا به).