الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
 أَفْعَالُ الهويَّةِ اللغويَّةِ وتَمَثُّلَاْتُ  الفُصْحَى  فِي  الدّرَامَاْ العربيَّةِ


    أَفْعَالُ الهويَّةِ اللغويَّةِ وتَمَثُّلَاْتُ  الفُصْحَى  فِي  الدّرَامَاْ العربيَّةِ

 

كريم عبيد علوي

                  باحث وتدريسي في جامعة بغداد / كلية التربية للبنات      

 

 ثمة تحديات عدة تواجه اللغة العربيَّة وتهددُ استعمالَها وبقاءَها أداةً للتواصل كالازدواجية اللغوية  وهيمنة العامياتِ المحكية ومنافستها للفصحى ومدّ العولمة وتأثيره في ديمومة اللغاتِ  ، ومن بين تلك التحديات التي تواجه العربيّة ــ التيْ يرصدُها هذا المقالُ ــ  سعي الفضائيات في الأعمالِ الدراميّة لتكريس صورةٍ نمطيةٍ سلبيةٍ عن العربيّة من خلال ما يُسَمَّى بـ ( أفعال الهويّة اللغويّة ) بوصف العربيّة الفُصحى أداة تواصل ينحصرُ استعمالُها فيْ أطرٍ ضيقةٍ ويتداولها فاعلون اجتماعيون سلبيون . وتحرص الدراما على جعل الفصحى سمة من سمات هويتهم المفارقة التي تترجم شخصياتِهم وتفصحُ عنْ أطرِهم الفكريّة الضيقة غيرِ المحببة لدى الجمهور ، وهذه مشكلة لها آثارٌ خطيرةٌ فيْ سلامة العربيّة وضمان بقائها أداة تواصل حيّة وفاعلة ، فلا يخفى على أحدٍ ما للإعلام والفن من أثرٍ كبيرٍ فيْ ترسيخ صورٍ نمطية عن الأشياء لدى الجمهور ، وهذا الأمرُ سوف يرسّخ صورةً  سلبيةً عن العربية لدى الجمهور وينذرُ بانحسارها عن الاستعمال ، فواحدة من أسباب بقاء اللغات حية وفاعلة في التواصل هو تقدير أهلها الناطقين بها للغتهم  واعتزازهم بها،  و مما يُؤسَفُ لَهُ أنَّ هذا  الأمر لا نجده في تحليلنا لأفعال الهويَّة اللغويَّة في الدراما التلفزيونيَّة ، ولكن قبل ذلك ما المقصودُ بـ ( أفعال الهويَّة اللغويَّة)  ؟  

ثمة شخصية درامية  في أداب الكاتب الإنكليزيّ (برنارد شو) تمثل مصداقاً لجدلية( أفعال الهوية اللغوية)  ،و تدعى ( إلزا دوليتل) في مسرحية (بجماليون) ، وهي فتاة فقيرة  تبيع الزهور و كانت تتحدث بلهجة لندن العامية  التي توحي بتواضع طبقتها الفقيرة ، فقد مثلت هذه الفتاة مشروعاً للبروفيسور وعالم الأصوات اللغوية  السيد ( هنري هيغينز) ليثبت فرضيته بأنه قادر على جعلها تنسجم مع الطبقات الراقية في زجها في إحدى حفلات الطبقة المخملية من خلال تدريبها على التمكن من الأداء الصوتي المناسب لهذه الطبقة النبيلة ، فإتقان عادات هذه الطبقة ( أتكيتها) وقواعدها السلوكية وحدَهُ غيرُ كافٍ لانخراط هذه الفتاة في المجتمع الجديد من دون التمكن من ناصية لهجته في النطق والتخلي عن لكنتها القديمة ،  فتغييرُ المظهر والسلوك وحدَهُ لا يضمنُ أنْ تتواصلَ بتلقائيةٍ ويتفاعلُ معها الأفرادُ الجددُ من دون أن تتحدثَ بالكيفية اللسانيّة التي يتواصلون  من خلالها ، فلسان الفرد هو ترجمان صادق لهويته وانتمائه الطبقي . ومن مصاديق( أفعال  الهوية اللغوية) ما ترويه الأميرة (بديعة) في مذكراتها عن عمها الملك فيصل الأول ملك العراق ووالدها الأمير علي بن الشَّريف حُسيْن  إذ تروى أنهما كاناْ يشددانِ في تربيتهما للأسرة المالكة وأفرادها على ضرورة التحدث باللهجة العراقية والاعتياد عليها  لا أنْ تظلَ الأسرةُ ملازمةً فيْ كلامِها للهجتها الحجازيّة واعتيادهم عليها بسبب أصولهم الحجازيّة ،  وتروي أيضاً  فيْ مذكراتِها عنْ تنشئة الملك فيصل الثاني وطفولته وظروف تربيته وأنَّ الأسرة كانت تشدد أنْ يلتزموا الحديث معه باللهجة العراقية  حتى ينشأ ملكاً متقناً مجيداً للهجة شعبه ، فلاشك أن ذلك يُعزى إلى ما للهجة الوطنية من تأثير وإيحاء  بالهوية  العراقية وبالانتماء إلى جمهور الشعب العراقي  ، ويخفف من وطأة الاحساس بأنهم نازحون وطارئون من ديار أخرى ، وأن أصولهم حجازية غير عراقية ، فوحدة الاستعمال اللهجي من شأنها أن تحقق التضامن وتعزز الشعور بوحدة الهوية الوطنية بين الأسرة الحاكمة وشعبها . و من السهل على المختصين باللغة أن يعرفوا انحدار  العربي  من أي بلد هو ، ويعرفوا أصوله اللهجية  العامية إذا تحدث بالعربية الفصحى ، فمن السهل التمييز بين العراقي والمصري والشامي والحجازي إذا تحدثوا بالعربية الفصحى ، ومن يستمع إلى الخطابات السياسية المسجلة للملك فيصل الثاني في العربية الفصحى سوف يستنتج أن لهجته  العامية هي اللهجة العراقية ؛  فنطقه لمخارج الأصوات تشبه الكيفية التي ينطق بها العراقيون حينما يتحولون للحديث في العربية الفصحى . وثمة مثال آخر ـ يصب في فكرة هذا المقال ـــ  ضمن  الجاسوسية وفنونها  إذ يرتكز زرع العملاء على فكرة إخفاء هويتهم الحقيقية واستبدالها بثانية ،  ويكون التدريب اللغوي على ناصية التعبير في لغة المحيط الذي زُرِعُوا فيه واحداً من أهم السبل للإيحاء بالهوية المزيفة. فالإيحاء بالهوية ضمن الزي والرداء وفنون التعامل لا يحقق فاعليته من دون استعمال لغوي مناسب لهذه الشخصية ويوحي بانتمائها الطبقي والفكري ومستواها الثقافي ، وهذا ما تحرص عليه أيضاً وبشدة السينما والدراما التلفزيونية في رسمها وتقديمها للشخصيات . فالدراما تتمثل اللغات من منطق بناء الشخصية الدرامية من منظور العمل الفني عن الشخصية نفسها ولوازم إكمال هويتها لا من واقع اللغات نفسها وقيمتها الحضارية والثقافية ، فتقع هذه الأعمال في فخ الأيديولوجيا  وكيفية توظيفها للخطاب لخلق صور نمطية للأشياء من خلال تكريس تمثلات معينة ، ومن بينها تمثلاتها  السلبية الخطيرة عن العربية الفصحى ، أما مفهوم (التمثلات) بنحو عام فيرتبط بمباحث الدلالة  اللسانية التصورية والسيمياء وكيفية بناء المدلول ، فالتمثلات هي عملية بناء صور ذهنية عن الموجودات الخارجية إذ لا يمكن أن تحضرَ الأعيانُ الخارجية ( مراجع العلامات اللسانية) في الأذهان وإنَّما تنوب عنها صورها ، وتبقى المشكلة في مدى مطابقة تلك الصور للأعيان الخارجية . والخطابات باختلاف أيديولوجياتها يحاول كل منها بناء صور نمطية عن موضوع ما ،  وتناسب هذه الصور أيديولوجية هذا الخطاب بعيداً عن مطابقتها  لمراجعها الخارجية . لقد ولد مصطلح (أفعال الهوية اللغوية) على يد  العالم الأمريكي  (وليم لابوف) المختص في اللسانيات الاجتماعية  نتيجة دراسته للغة الأطفال ذوي الأحياء الفقيرة ، من خلال اختبار طلب منهم تفسير مشاهد صورية و التعليق عليها كتابة ، فقد لاحظ أَنَّ  تنظيمهم للنص واختيارمفرداتهم  يختلف عن اقرانهم  من ذوي الطبقة المرفهة  بسبب اختلاف البيئة وما يولده من تنوعات لهجية  ، فداخل اللسان الواحد ثمة تنوعات لهجية ترتبط بالبيئة  ، وتنوعات لهجية ترتبط بالمهن والمستوى الطبقي والثقافة  . والفرد حينما يتحدث لا يقصد في الغالب أنْ يعكس هويته من خلال اللغة ، ولكن الدلالة العقلية التأويلية في بعدها الاستدلاليّ في التلقي هي من تحدد انتماء  المتحدث وهويته تبعاً لتلك التنوعات  .  فالشخصية الريفية بأزيائها وبيئتها الريفية البسيطة تحرص الدراما على رسم أدائها اللغوي باللهجة الصعيدية التي تختلف عن لهجة المدن ، فهناك من يراقب  اللغة في إخراج العمل وهو شخص خبير باللهجة الصعيدية وملم بتنوعاتها الصوتية ؛ لتدريب الممثلين وتقويم أدائهم ، والأمر نفسه يحصل في تقديم الآخر العربي اللبناني أو الخليجي أو الشامي أو المغربي غير المصري في  الدراما المصرية ، فاللهجة الخليجية  ترتبط بالترف المبذر اللاهي  في النوادي الليلية بينما تظهر  اللهجة الشامية  بصورة محببة  وحميمية مما  يعكس شدة الأواصر والألفة بين الثقافتين المصرية والشامية ، فشوام مصر من مؤسسي وآباء النهضة والحداثة المصرية بكل أشكالها الأدبية والفنية والسياسية وهناك أواصر متينة بين الشعبين،  فالانتماء الاجتماعي الطبقي  المتنوع يحتم  تقديم الشخصية وتصويرها مراعاة لهويتها ، وغالباً ما يكون الحوار كاشفاً لطريقة تفكيرها من خلال لهجة بيئتها ، وهذا ما يتم توظيفه في الأعمال الروائية التي تتعدد فيها الشخصيات ضمن ما يُسمى بتعدد الأصوات (البوليفونية ) ، وهذا المفهوم قد انبثق  على يد الناقد الروسي (ميخائيل باختين) في تحليله السَّرديّ لأعمال الروائيّ (دوستويفسكي)  . والأعمال الدراميَّة ولاسيما المصريَّة في المسلسلات وأفلام السينما تحرص على رسم ملامح الأداء اللغويّ المكمل لرسم الشَّخصية ، فيكون الحوارُ في اللغة العربيَّة الفصيحة مقتصراً على مشاهد ضمنية تجسّد شخصياتٍ ومواقفَ تدخلُ فيْ صراعٍ مع قوى الخير، وتمثل تلك الشخصيات رموزاً لقوى الظلام و الفكر  الإرهابي  المتطرف، فتقديم الأداء الفصيح بهذه التمثلات الشخصية يوصل رسالة ضمنية غير صريحة تسيء للغة العربية ، مفادُها  أَنَّ استعمال  الفُصحى هو استعمالٌ غريبٌ ينبو عنْ واقع الحياة   مثلما ينبو منطق الحياة المعاصر عن التفكير المتزمت وأشكاله التي تمثل تمرداً على تفكير المجتمع وأزيائه  وقيمه ، يظهر ذلك من خلال رسم الشَّخصيات بزيها الديني ولحاها الطويلة ولغة جسدها القاسية غير المحببة للمشاهد . ومشهد المأذون الشرعي في عقد الزواج  الذي هو من المشاهد المألوفة في  السينما المصرية يظهر فيه الأداء الفصيح المنفرد للمأذون ، إلى جنب كون الإشارات السيميائية المكملة للمشهد من الزي الدينيّ التقليديّ الذي يرتديه المأذون تمثل إحدى القرائن التي تؤكد أنَّ الرسالة الإعلامية تحاول ضمناً تمرير فكرة مفادها أنَّ الفصحى تقعُ خارج العرف اللغوي العام ، فهي أقربُ إلى البعد التاريخيّ والدينيّ،  و ينحصرُ استعمالها بطقوسٍ  محدودةٍ . و في الكثير من الأعمال الدرامية  يكون الحوارُ على لسان المحامينَ  في الدفاع عن المتهم  في مشهد المحاكمة  يشتمل رسالة ضمنية تتضمن برماً من بلاغةٍ صوتيةٍ  رنانةٍ وفائضٍ لغويّ إنشائيّ  فيْ مشهدٍ قائمٍ على الخطابية  يضيقُ بها الحضورُ وتضيقُ به شخصيةُ القاضي إذ يحصلُ التناوبُ الحواريّ بين القاضيّ والمحاميّ في المحكية الدراجة ويجرى التحولُ من الفصحى سريعاً من قبل المحامي فيْ رَدّهِ على القاضي ، ونظيرُ ذلك خطبُ المرشحين في الدعاية الانتخابيّة البرلمانية التي غالباً ما تصورها الدراما المصريَّة في إطارٍ انتهازيّ نفعيّ .  و يتم تصويرُ مدرسِ اللغة العربيّة بوضعٍ ساخرٍ  في مظهره وهندامه الرّث  وتعامل الطلبة معه  وتهكمهم من تعبيره الفصيح ، ويبدو بمظهر المنهك لوضعه الاقتصاديّ و ما يكابد من شظف العيش بسبب تواضع مهنته ، ولعلَّ الاستثناء الوحيد من ذلك مسلسل (سكة الهلاليّ ) ، ويظهر فيها  النجم (يحيى الفخراني) بطلاً إعلامياً وأستاذاً جامعياً في اللغة العربيّة ، و لكن كانت النهاية الصادمة إذ يُكتشف بأنه قد زوّر شهادتَهُ الثّانويّة ويستخدم شهرتَهُ الإعلامية في صفقات فسادٍ ورشى فيُودَع في  السجن  ، على خلاف مدرس التَّاريخ الذي يظهرُ في الغالب في دور المثقف الرسوليّ المضحيّ،  ويتم استحضارُهُ بوصفه رمزاً ملهماً  ومؤثراً فيْ معالجةِ القضايا الاجتماعية كمسلسل (عباس الأبيض في اليوم الأسود) للفنان يحيى الفخرانيّ . و تمثّل مشاهدُ الخروج على النَّص فيْ مسرحيات عادل أمام مؤشراً واضحاً  على الانتقاص من الفصحى في تهكمه و محاكاته وسخريته من مشاهد حوارية فصيحة لأعمال  فنيَّة تاريخيَّة وسرعان ما يستجيب لها الجمهورُ في ضحكاتٍ مرتفعةٍ جداً تجسّد مكبوتاً جمعياً يختزنُ الضيقَ بالفصحى وشخصياتها التاريخيَّة . والأجانبُ حينما يتواصلون مع العرب يتواصلون بمحكيتهم العاميَّة التي يحصل فيها قلبٌ وإبدالٌ صوتيّ لا تجيزه قواعدُ اللغة فيرسم مشهداً ساخراً في الأعمال الدرامية ، والأمرُ الأخطرُ الذي يجسد غربة الأداء الفصيح عن الواقع العربيّ هو ما تقدمه جملة من الأفلام السينمائيَّة  في تجسيدها للحوارات التي تجري على لسان أجانب غير ناطقين بالعربية ، فهي لا تظهرُ الحوارَ الأجنبيّ بالنّص العربيّ المكتوب ( في حوار الأجنبيّ للأجنبيّ) وإنَّما تقدمُ حواراتٍ بعربيةٍ فصيحةٍ وبأصوات سليمة النطق في مخارجها لا أنَّ المتحدث لغة غيرَ لغته يلتزم المستوى المعياريّ الأدبيّ الفصيح ،  بل لأنَّ  العملَ  يريد للمشاهد أنْ يتصورَ أَنَّ شفرةً تواصلية تخاطبية أجنبية   غيرَ شفرة العمل( العربية المحكية الدارجة)  يجري التواصلُ بها.  والأمرُ بعيدٌ عنْ فكرة الدبلجة إلى العربية ؛ لأنَّ المسلسلَ هو عربيّ يتضمنُ شخصياتٍ عربية تجسّد  شخصياتٍ أجنبية ، ولضمان فهم كلامهم وللإيحاء بأنهم يتواصلون بلغةٍ ثانيةٍ  فانَّ الحواراتِ تجري بشفرةٍ لغويّةٍ تجسّد أفعالَ الهويَّة المختلفة ، وهذا الأمرُ ينذر بخطورةٍ كبيرةٍ جداً تتخلصُ بكون المستوى الفصيح بمنزلة الشَّفرة الأجنبية الغربيَّة غير العربية التي لا تحققُ ألفةً في التّلقي ، والحقُ أنَّ هذهِ المشاهد الأخيرة هي  محدودةٌ ولا تشيعُ فيْ كثيرٍ من الأعمال الدراميَّة ولكن يُخشى ذيوعُها وانتشارُها . و من الحق أيضاً أن ثمة مشاهد في الدراما جسّدت اعتزازاً بالهويّة اللغويّة الفصحى ، ففي مسلسل ( مأمون وشركاؤه)  ينتفضُ  الممثلُ ( خالد سرحان) المهاجر إلى إيطاليا بفورة غضب ضدّ حماته وأمّ زوجته الإيطالية التي كانت تكيلُ الإهاناتِ إليه وتضايقه وتصطحبُ ابنَهُ المسلمَ الصغيرَ إلى الكنيسة  دونَ علمه على الرغم من احتفاظ الأب بديانته الإسلاميَّة  ، فهو مصريّ متزوجٌ من إيطالية وصهره أبو زوجته عربيّ لبنانيّ مغتربٌ في إيطاليا أيضاً ، وبعد أنْ يكتشفَ أن أباه مأمون (عادل إمام) يمتلك ثروةً طائلةً يقررُ العودةَ إلى بلده مصر كي ينعم بثروة أبيه ، ويبدأ بتصفية حساباته مع حماته ويكيلُ لها السبابَ بلهجته المصريَّة على الرغم من اعتياده الحديث معها باللغة الايطالية ، ويطلبُ من صهره العربيّ أنْ يترجم كلامَهُ إلى اللغة الإيطالية ويترجم شتائمه تشفياً بها ، فهو يختار أنْ يحدثها من خلال وسيط مترجم على الرغم من معرفته الإيطالية انتفاضاً لكرامته ، وقبل أنْ يحزمَ حقائبه للعودة يفكّر بتعليم ولده الصَّغير العربية كي يدخل قلبَ جده حينما يرى حفيده ويتمكن من محادثته باللهجة المصريَّة ، ولكنه يتفاجأ حينما يشاهد المعلمَ العربيّ المُهاجرَ في إيطاليا الذي كلّفه بتعليم ابنه يتفاجأ حينما يراه  يعلّمه الفصحى لا العّامية المصريّة الدارجة . وعلى الرغم من تنبيهه له بانَّ كلَ ما هو مطلوب منه هو تعليمه مفردات العاميَّة المصريَّة  فقط كي يتفاعلَ مع الجدّ حين العودة إلا أنَّ المعلمَ يبقى مُصرّاً على تعليمه الفُصحى  اعتزازاً بها ، فهذه المشاهدُ التي تضمنها العملُ تعكسُ حسَّ الممانعة التي تبديها الشَّخصيةُ العربيةُ المهاجرة ضد الذوبان في هوية الآخر الغربيّ . و لاشك أنَّ هذه مشاهد  تجسّد صراع العرب المهاجرين ومحنة العربيّة وتعليمها للأبناء المغتربين  وإصرارهم على تعلم العربيّة ؛ لأنها تربط الأبناءَ بجذورهم وأوطانهم الأم .ولكن تبقى مشاهدُ الاعتزاز بالهويَّة اللغويَّة محدودةً .  ونخلصُ مما تقدّم إلى أنَّ الدراما أسهمتْ بنحوٍ عامٍ بتكريس صورةٍ سلبيةٍ  للفصحى ترتبطُ بالسخرية مرة  ومرة أخرى بالخطابة المنبرية المتحذلقة ومرة بحصر استعملها على لسان الجماعات الإرهابية  في خطابهم الدينيّ المتشدد ، ولا يخفى أنَّ بقاءَ اللغة  مرهونٌ  باستعمالها وتداولها في الإعلام والتعليم ووسائل التّواصل ، واستعمالُها يرتبطُ بتقديرِ أهلها للغتهم ، فمادامَ أهلُ العربيةِ لا ينظرون بإكبارٍ  واعتزازٍ للغتهم فسوفَ تبقى لغةَ كتابةٍ ولغةً إداريَّةً ولغةً دينيةً فحسب ، وهذا أمرٌ ينذرُ بالخطر ويؤشر لانحسارها في الاستعمال وهيمنة اللهجاتِ المحكية .


مشاهدات 78
الكاتب كريم عبيد علوي
أضيف 2025/11/12 - 12:35 AM
آخر تحديث 2025/11/12 - 3:16 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 114 الشهر 8151 الكلي 12569654
الوقت الآن
الأربعاء 2025/11/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير