الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
روحية القيادة الكسنزانية.. دين ودولة رسالة ومنهج حياة

بواسطة azzaman

روحية القيادة الكسنزانية.. دين ودولة رسالة ومنهج حياة

نوري جاسم

 

حين تتجلى الروح في بناء الدولة التصوف الإسلامي طقوس تُؤدّى في تكايا وزوايا العبادة، وشعائر محدودة بالزمان والمكان، وهو منهج حياة شامل ينظم علاقة الإنسان بربه، وبنفسه، وبالناس من حوله.

هو دينٌ يقيم العدل، ويزرع الرحمة، ويوازن بين مطالب الروح وحاجات الجسد، وبين القيم والمصالح، وبين الفرد والجماعة.

شخص شريف

وقد جسّد النبي الأعظم سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم هذا التوازن في شخصه الشريف؛ فكان نبياً ورسولاً، ومعلماً وقاضياً، وقائداً لدولة المدينة المنورة، جمع بين الزهد والحكمة، وبين الإيمان والسياسة، فكان نموذجاً خالداً في التصوف العملي الذي يصوغ الحياة على هدي الروح.. التصوف من التكايا والزاويا إلى ساحة الدولة .

ليس التصوف انعزالاً ولا هروباً من الواقع، كما يظن البعض، بل هو حركة إصلاح باطني تؤسس لإصلاحٍ خارجي، فالمتصوف الحق يرى أن تزكية النفس لا تكتمل إلا بتزكية المجتمع، وأن صلاح القلب لا ينفصل عن صلاح الحكم.

هكذا كان الأنبياء والأولياء على مرّ التاريخ:

نبي الله داود عليه السلام جمع بين النبوة والملك، وكان صوته بالحق يُسمع في مجلس القضاء.

ونبي الله سليمان عليه السلام كان نبيّاً حكيماً وسلطاناً عظيماً، استخدم مُلكه في خدمة الرسالة الإلهية.وفي صدر الإسلام، كان الإمام علي عليه السلام أمير المؤمنين وزاهد العارفين، يبيت على طوى، ويحكم بالعدل، ويقول: «لو أُعطيتُ الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملةٍ أسلبها جلبَ شعيرةٍ ما فعلتُه

أهل الصفاء

وفي التاريخ اللاحق، تكرّر هذا النموذج في صورٍ متعددة: السلطان محمد الفاتح، فاتح القسطنطينية، كان صوفياً، يستمد قوته من إيمانه العميق. وصلاح الدين الأيوبي كان من تلاميذ مشايخ الصوفية، جعل من روح الجهاد مدرسةً في العدل والتسامح. والأمير عبد القادر الجزائري، المجاهد الصوفي، جمع بين السيف والقلم، وبين الثورة والسياسة، فأسّس لنهضة وطنية على أسسٍ روحيةٍ سامية.

وفي المغرب والهند وبلاد الأناضول، بزغت أسماء مثل مولانا جلال الدين الرومي والشيخ معين الدين الجشتي والشيخ السنوسي، وعبد القادر الجزائري، الذين أسّسوا طرقاً جمعت بين الدعوة الروحية والعمل الاجتماعي والسياسي، فكانوا جسوراً للوحدة والتآلف بين الشعوب.

الشيخ نهرو الكسنزان.. خيمةٌ تحوي الجميع

في هذا الامتداد التاريخي والروحي، يبرز اسم السيد الشيخ شمس الدين محمد نهرو الكسنزان القادري الحسيني قدّست أسراره، كأحد الوجوه التي تجمع بين عمق التصوف ورؤية الدولة. وهو مرجعية روحية وإنسانية، لم تُغْلق أبوابها أمام أحد، بل كانت خيمةً تحوي الجميع؛ أدياناً ومذاهب وقوميات. فهو يرى أن السياسة إن لم تُبنَ على الرحمة والمعرفة، تحوّلت إلى صراعٍ على مصالح، وأن القيادة الحقة هي التي تستلهم من الله بصيرتها، ومن الناس حاجاتهم. تدخله في الشأن العام ليس طموحاً شخصياً، بل رسالة إصلاحٍ شامل، يستمدها من روح التصوف، حيث لا تنفصل هداية الناس عن صلاح مجتمعهم ودولتهم.إنه يدعو إلى دولةٍ يحكمها من يخشى الله ويحب عباده، دولةٍ يكون فيها العدل قانوناً، والرحمة سبيلاً، والعلم نوراً ..

حين تلتقي السماء بالأرض..

التصوف والعرفان الكسنزاني القادري حين يقود الدولة، يمنحها بعداً روحياً وأخلاقياً، يقيها من الانحراف، ويجعلها أداةً للخير لا وسيلةً للهيمنة. وإذا كانت السياسة بلا روحٍ تُفسد، فإن الروح بلا عملٍ تُجمد. وهكذا يلتقي التصوف والسياسة في نقطة التوازن الإلهي، حيث تكون الدولة جسداً، والروح قيادتها.

وفي الختام ما أحوج أمتنا اليوم إلى هذا النموذج الرباني الذي يُعيد للسياسة معناها الأخلاقي، ويُعيد للروح دورها في توجيه الإنسان والمجتمع، وإن مشروع سماحة السيد الشيخ نهرو الكسنزان القادري الحسيني ليس مشروع شخص، بل رؤية إنسانية جامعة تُعيد تعريف القيادة على ضوء الإيمان، وتؤكد أن الطريق إلى الله لا يُفارق طريق خدمة الناس.

فالتصوف الحق — حين يتجلى في الدولة — لا يُنتج سلطة، بل يُقيم حضارة من النور.

 

 


مشاهدات 210
أضيف 2025/11/11 - 12:40 AM
آخر تحديث 2025/11/11 - 3:46 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 143 الشهر 7433 الكلي 12368936
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/11/11 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير