الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
نیجرفان البارزاني.. هندسة السلام في جغرافیا الصراع

بواسطة azzaman

نیجرفان البارزاني.. هندسة السلام في جغرافیا الصراع

عطا شمیراني

 

في خضمّ المشهد العراقي المليء بالتوترات والانقسامات، يبرز اسم نيجيرفان بارزاني بوصفه أحد أكثر القادة عقلانيةً واتزانًا في التعامل مع الأزمات بين أربيل وبغداد، بل ومع عموم الواقع العراقي والإقليمي. سياسته تجاه السلم الاجتماعي والسياسي ليست وليدة ظرف أو أزمة، بل هي رؤية عميقة متجذّرة في إيمانه بأن العنف، مهما كان مبرره، لا يبني وطنًا ولا يصنع استقرارًا.

منذ توليه رئاسة إقليم كوردستان، حرص نيجيرفان بارزاني على تحويل مفهوم السلام من شعار سياسي إلى منهج حكم عملي. فهو يدرك أن الإقليم، بعد عقود من الصراعات والحروب، يحتاج إلى إعادة بناء الثقة بين المكونات، وترسيخ علاقة قائمة على الاحترام والتفاهم مع بغداد، تقوم على المشاركة لا التبعية، وعلى الحوار لا الصدام. لذلك ظلّ صوته هادئًا في أكثر المراحل توترًا، متمسكًا بمبدأ أن الحوار مهما طال، أقل كلفة من أي نزاعٍ مهما قَصُر.

نيجيرفان بارزاني يرى أن السلام شرطٌ أساسي للتنمية والازدهار، وليس نتيجةً لهما. لهذا يركّز في خطاباته على أن بناء الإنسان أسبق من بناء الاقتصاد، وأن العدالة الاجتماعية هي الوجه الآخر للاستقرار السياسي. في فكره السياسي، الدولة التي تُبنى على الخوف تنهار بالخوف، أما التي تُبنى على الثقة فتتطور بالسلام. هذه الفلسفة جعلته يُعيد تعريف دور كوردستان في العراق بوصفها عامل استقرار وتوازن، لا مصدر قلق أو صراع.

لم يتعامل نيجيرفان بارزاني مع السلم كمجرد ملف داخلي، بل كقيمة ممتدة تشمل العلاقة بين الإقليم والمركز، وبين العراق ومحيطه. في علاقته مع بغداد، ينطلق من مبدأ “الربح المشترك”، فكل نجاح في أربيل هو إضافة للعراق، وكل تقدم في العراق يعزز موقع الإقليم. لذلك يرفض منطق الغلبة، ويؤمن أن كل مشكلة سياســــــــــــــية قابلة للحل متى ما غاب منطق الشك وحلّ محلّه منطق الثقة.

إعادة بناء

أما في الجانب الاجتماعي، فقد أدرك نيجيرفان مبكرًا أن مجتمع كوردستان المتنوع يحتاج إلى حماية قيم التعايش والتعدد. لذلك دعم المبادرات التي تعزز الحوار بين الأديان والمكونات، واهتم بعودة النازحين وإعادة بناء القرى المهدمة، معتبرًا أن السلام يبدأ من العدالة، وأن العدالة لا تتحقق إلا إذا شعر كل فردٍ بأنه جزء من هذا الوطن.

لقد استطاع البارزاني أن يقدّم نموذجًا مختلفًا للقيادة السياسية في العراق والمنطقة، نموذجًا يميل إلى التهدئة بدل التصعيد، وإلى بناء الجسور بدل المتاريس. لم يسعَ إلى فرض رؤيته بالقوة، بل بالإقناع، ولم يتعامل مع الخلافات كمعارك صفرية، بل كفرص لتجديد الحوار. لذلك اكتسب احترامًا واسعًا داخل العراق وخارجه، وصار يُنظر إليه بوصفه رجل الدولة أكثر من كونه زعيم حزب.

إن البارزاني يمثل جيلًا جديدًا من القادة الذين يدركون أن المستقبل لا يُبنى بالضجيج بل بالهدوء، وأن القوة الحقيقية ليست في الصراخ بل في القدرة على الإنصات. لقد جعل من السلام مشروعًا سياسيًا واقعيًا، لا شعارًا أخلاقيًا عابرًا، وجعل من كوردستان ساحةً للحوار في زمنٍ يضيق بالحوار.

وفي عالمٍ تكثر فيه الأصوات الداعية إلى الصدام، يبقى نيجيرفان بارزاني صوتًا مختلفًا؛ صوتًا يعرف أن الحروب تبدأ بالكلمات وتنتهي بالدم، بينما السلام يبدأ بالعقل وينتهي بالازدهار. إنه بحقّ رجل السلام في زمنٍ يفتقر إلى السلام، ورجل الدولة الذي اختار طريق الحكمة حين اختار الآخرون طريق المواجهة.

 

 


مشاهدات 42
الكاتب عطا شمیراني
أضيف 2025/11/05 - 4:19 PM
آخر تحديث 2025/11/06 - 1:48 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 65 الشهر 3839 الكلي 12365342
الوقت الآن
الخميس 2025/11/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير