هل يأتي الإصلاح في مقاطعة الانتخابات؟
رشيد العجيل
في ظل التحديات المتراكمة التي تواجه العراق، تتعاظم الهوة بين المواطن والسلطة السياسية، ويزداد الشعور بالإحباط واليأس من إمكانية التغيير. عقود من الحروب ثم الفساد وسوء الإدارة جعلت المواطن العراقي يتساءل: هل المشاركة في الانتخابات ما زالت مجدية؟ أم أن المقاطعة هي السبيل الوحيد للتعبير عن الرفض؟
هذا التساؤل مشروع، لكنه يحتاج إلى تفكيك وتحليل عميق. فالمقاطعة، رغم أنها تبدو خياراً احتجاجياً، قد تكون في الواقع خدمة غير مباشرة للفاسدين. حين يبتعد المواطن الشريف عن صناديق الاقتراع، فإنه يترك المجال مفتوحاً أمام من اعتادوا استغلال الطائفية والعرقية والدين كوسائل للوصول إلى السلطة. وهكذا، تتكرر الوجوه ذاتها، وتُعاد دورة الفشل من جديد.
المقاطعة: تعبير عن الغضب أم انسحاب من المعركة؟
لا شك أن الدعوات إلى المقاطعة تنبع من شعور حقيقي بالخذلان، خصوصاً بعد أن فشلت الحكومات المتعاقبة في تحقيق تطلعات الشعب. لكن هل الانسحاب من العملية السياسية هو الحل؟ أم أن المشاركة الواعية هي السبيل لإحداث التغيير؟
التاريخ يعلمنا أن الإصلاح لا يأتي من الفراغ، بل من داخل النظام. تجارب دول مثل سنغافورة، ماليزيا، وكوريا الجنوبية، وحتى جنوب أفريقيا في عهد نيلسون مانديلا، تؤكد أن صناديق الاقتراع كانت بوابة الإصلاح الحقيقي. هؤلاء القادة لم يأتوا بانقلابات أو مقاطعات، بل عبر انتخابات نزيهة، ثم شرعوا في محاربة الفساد وإعادة بناء مؤسسات الدولة.
في سنغافورة مثلاً، بدأ الإصلاح من أعلى الهرم، حيث تمت محاسبة كبار المسؤولين، مما خلق ثقافة جديدة من الشفافية والخوف من القانون. هذا النموذج يمكن أن يُحتذى به في العراق، شرط أن يُمنح القادة النزيهون فرصة للوصول إلى السلطة عبر الانتخابات.
المشاركة: مسؤولية وطنية وليست خياراً شخصياً
الاعتقاد بأن المقاطعة ستؤدي إلى انهيار النظام أو فرض حكومة إنقاذ هو وهم خطير. في بلد يعاني من تعدد الميليشيات ومراكز القوى، فإن غياب الشرعية الانتخابية يفتح الباب أمام الفوضى، ويمنح المتربصين فرصة للانقضاض على الدولة. وحدها سلطة القانون والدستور، المستمدة من إرادة الناخبين، قادرة على ضبط المشهد وإعادة توجيهه نحو الإصلاح.
كل صوت يمتنع عن التصويت هو صوت ضائع، بل قد يتحول إلى دعم غير مباشر للفاسدين. لذلك، فإن المسؤولية تقع على عاتق كل مواطن، داخل العراق وخارجه، للمشاركة الفاعلة في الانتخابات، واختيار المرشحين الذين يمتلكون رؤية واضحة وسيرة نزيهة.
نحو إصلاح حقيقي يبدأ من صناديق الاقتراع
العراق لا يخلو من الكفاءات الوطنية، من رجال ونساء لم يتورطوا في الفساد أو التملق، ويملكون القدرة على قيادة البلاد نحو مستقبل أفضل. المطلوب اليوم هو أن نبحث عن هؤلاء، وندعمهم، لا أن ننسحب من المعركة ونترك الساحة للمفسدين.
المقاطعة ليست حلاً، بل هي استسلام. أما المشاركة الواعية، فهي بداية الطريق نحو التغيير. الإصلاح لا يأتي من الخارج، ولا من الشعارات، بل من إرادة شعبية حقيقية تُترجم في صناديق الاقتراع وتُفرز قيادات جديدة قادرة على تحويل الكلام إلى واقع.