اذا ذلّ مولى المرء فهو ذليلُ

فاضل ميراني

 

قرأت قديما قصيدة للشاعر طرفة بن العبد، وطرفة من شعراء ما قبل الاسلام، كان من عباقرة الكلمة، وقضى قتيلا في اوج شبابه.

وقفت على بيت مشحون بالحكمة يقول:

وَأَعلَمُ عِلماً لَيسَ بِالظَنِّ أَنَّهُ

إِذا ذَلَّ مَولى المَرءِ فَهوَ ذَليلُ.

البيت يشرح نفسه، مولى المرء: قريبه او حليفه، وهذان المعنيان من معان اخرى لكلمة مولى. فأذا ما وقع عليه الذل، فهو تأكيد وقوع الذل ايضا على الاخر.

ما يحكم به بن العبد- وقد كان عتابا لصهره الذي وشى بهجاء قاله طرفة بحق ملك هو عمرو بن هند و اخيه قابوس - لا يخلُ من كشف سياسي اجتماعي، فقد سبق و ان تعمّد حاكم الحيرة الاهمال المتعمد للشاعر، ما دفعه لقول ابيات قاسية بحقه، وصلت لحد ان تمنى ان تحل محل الملك، رغوثا و الرغوث( لفظ يطلق على الناقة المرضعة او الشاة) وهو يرى فيها لحليبها فائدة اكثر من الملك؛

فَلَيتَ لَنا مَكانَ المَلكِ عَمروٍ

رَغوثاً حَولَ قُبَّتِنا تَخورُ.

وقد اكمل الشاعر هجاء مضمون سلطة الملك و شكلها، بهجاء اخِ الملك :

لَعَمرُكَ إِنَّ قابوسَ بنَ هِندٍ

لَيَخلِطُ مُلكَهُ نوكٌ( حماقة) كَثيرُ.

وحتى تكتمل اضلاع الحكاية، وهي حكاية فيها بعد سياسي فلا بد من ذكر ما قاله طرفه في صهره الذي اشتهر ببخله و مندامة الملك رغم انه لا يعد في الرجال اصحاب المواقف:

وَلا خَيرَ فيهِ غَيرَ أَنَّ لَهُ غِنىً

وَأَنَّ لَهُ كَشحاً إِذا قامَ أَهضَما

ويقصد انه صاحب مال الا انه ليس من اهل الخير، وهو اقرب شبها في تثنيه بالنساء.

لاحقا، ويوم صيد جمع الملك و صهر الشاعر، عجز الصهر عن نحر الصيد، فاثنى الملك على ذم طرفة لصهره، فرد الصهر بذكر ذم طرفة للملك و اخيه، وانتهى الامر بالشاعر قتيلا بحكم من الملك.

فكر حاكم

هذا النص الذي خرج من هذه القصة  التي تتفق على حدوثها مصادر التاريخ الادبي، تكشف عن عراقة مُرّة لفكر الحاكم و طبيعة اغلب حاشيته وايضا على التذمر و التمرد الذي يأخذ اشكالا منها الشعر الذي قد يودي بصاحبه.

قدمت لي هذه القصة باكرا تصورا عن طبيعة الماضي البعيد، وكيف يكون الحكم و كيف يصنع الحاكم نفسه، و ما لا يصح ان يقع منه حتى لا يشترع سننا لا يحصد منها الناس و حتى لا يحصد هو نفسه منها ما يكون ختامه الخراب.

كما فتحت هذه القصة ابوابا من الفهم التاريخي للسياسة و المجتمع و اللغة وكيف تكون موثقا يحمل في متون شفاهيته ما يراك الناس عليه.

لقد دارت الحكاية بفصولها بين استبداد لم ينقطع و ضعفا من ندماء شاعت مساوئهم، فوضفوا قربهم للانتقام.

طرفة بن العبد ببيته المؤثر صنع صورة صادقة تأثرت بها و تأثر بها او بمعناها اخرون و ان غاب البيت عن الآخرين.

اذا ذل مولى المرء فهو ذليل.

كانت كرامة شعبنا احدى اهم ما عملنا لصونه من سطوة سلسلة حكم كسرت قواعد الفطرة السليمة و العقود الاجتماعية الرصينة في حفظ كرامة الانسان، لان القبول بها قبول بالهوان لذواتنا.

قال البارزاني يوما( لا تعتدوا و لا تقبلوا الاعتداء)

وصيته لم تتوجه الا بمطلق للكل، لنا و لغيرنا، حكاما و محكومين، فالذي لا يعتدي و لا يقبل الاعتداء لن يكون الا حكيما اكان فردا اعتياديا ام مكلفا بخدمة عامة، ولن يكون عونا للظلم، بل سيكون في سخطه مثل طرفة يعبر عن معارضته من الاعتداء بما يقدر عليه من وسيلة دون اسراف او تعسف.

 

 مسؤول الهيئة العاملة للمكتب الــــسياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني