الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
لغة البرلمان بين الموقّر والمحقّر

بواسطة azzaman

لغة البرلمان بين الموقّر والمحقّر

شيرزاد نايف

 

تخيل البرلمان العراقي كقاعة كبيرة، ليس فيها نواب فقط، بل لغتان تتحاوران، تتصارعان، وتتواطآن في الوقت نفسه. العربية، صاخبة وواثقة، تمشي بخطى سريعة نحو القرار، تصرخ وتختصر الجمل، تسرق اللحظة وتسابق الزمن السياسي. الكردية، هادئة ورقيقة، تجلس في الزاوية، تهمس بصوتها الخاص، تنتظر فرصة للنطق، لكنها غالبًا تصمت أمام ضغط الأغلبية. «لماذا أسمع صوتك وأنا أهمس؟» تسأل الكردية. «لأني لغة الأغلبية، لغة القرار الفوري، لغة الإعلام والمشهد السياسي»، ترد العربية. هنا يتجسد الصراع بين البراغماتية والهوية: العربية تمثل القوة، الكردية تمثل الجذور. إن في الصمت الطوعي والتهديد المستقبلي يظهر أن الصمت ليس اعتباطيًا، بل تماشى مع الواقع السياسي. لكنه يحمل تحذيرًا خفيًا: الجيل القادم من الكرد قد يفقد القدرة على التعبير الكامل بلغته الأم في البرلمان، وقد تصبح الكردية لغة الضرورة بدل الهوية.

في المقابل، الاعتماد على العربية يكشف ضعف إتقان بعض الكرد لها، ويؤثر على ثقلهم السياسي في المواقف الحرجة. لكن من الجدير بالذكر أن النواب الكرد يتقنون العربية بفضل ثقافتهم ودراستهم التي تعتمد العربية، بالإضافة إلى تمسكهم بالدين الإسلامي ولغة القرآن الكريم. هذا الإتقان ساهم في تعزيز تواصلهم وتأثيرهم في الساحة السياسية. ومع ذلك، يبدو أن الجيل الجديد سيكون مختلفًا، حيث قد تتغير أولوياتهم اللغوية والثقافية.

لنطرح مقترحًا: أيهما أفضل، النطق اللحظي أم الكتابة العميقة؟ لأن الاعتماد على النطق اللحظي والقرارات السريعة يجعل البرلمان مسرحًا للسرعة أكثر من كونه مساحة للتفكير العميق. العربية تملي الإيقاع، وتترك الكردية تبحث عن صدى لها. هنا يظهر الحل الممكن: الكتابة الرسمية. الكتابة تمنح الكردية فرصة للتألق والمشاركة المتساوية، وتمكّن البرلمان من اتخاذ قرارات عميقة ومدروسة، بدل قرارات اللحظة التي قد تُفهم خطأ أو تُهمل الرؤية الحقيقية. لنأخذ دروسًا من العالم، في البرلمان الأوروبي، تُدار 24 لغة رسمية، وكل لغة لها حقها في التعبير شفويًا وكتابيًا. في كندا، الإنجليزية والفرنسية تتساويان في التأثير والقرار. لماذا لا يمكن للكردية أن تصبح شريكًا متساويًا في البرلمان العراقي، بصوتها وكتابتها؟

أخيرًا، إن صمت الكردية، صخب للعربية. حيث إن اليوم، الكردية صامتة لكنها حاضرة، لغة الهوية تنتظر فرصة لتصبح لغة القرار المكتوب والشفهي معًا. العربية تجري بخطى سريعة، لكنها قد تفقد التواصل مع المستقبل إذا لم تُدمج الكردية بفعالية. فهل سيأتي اليوم الذي تتحول فيه الكردية من همس الهوية إلى صوت القرار والسلطة؟ وهل سيصبح البرلمان العراقي مكانًا تتساوى فيه اللغات الرسمية، ليس فقط في الرمز، بل في القوة والتأثير؟!.

 


مشاهدات 56
الكاتب شيرزاد نايف
أضيف 2025/10/11 - 1:56 AM
آخر تحديث 2025/10/11 - 6:45 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 608 الشهر 7411 الكلي 12147266
الوقت الآن
السبت 2025/10/11 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير