موقف التمييز الاتحادية من استحقاق الادارة لفرق البدلين بعد سحب العمل
احمد طلال عبد الحميد البدري
تتضمن العقود الادارية والتي تعرف وفقاً لتعليمات تنفيذ العقود الحكومية النافذه رقم (2) لسنة 2014 بالعقود الحكومية احكاماً خاصة تعد من قبيل الامتيازات المقررة للادارة المتعاقدة من الاشخاص الطبيعية او المعنوية الخاصة ، وهذه الامتيازات مقررة للسلطات العامة دون غيرها ، وهذا مايميز عقود المقاولات الهندسية الحكومية ومنها المقاولات الانشائية (عقود الاشغال) او عقود التجهيز عن غيرها من عقود المقاولات في القانون الخاص ، فلرب العمل المتمثل بالوزير او رئيس الهيئة او المؤسسة او المرفق العام وبناءاً على توصية فنية من من ممثله (المهندس) او نائبه (المهندس المقيم) ان يصدر قراراً ادارياً بسحب العمل من المقاول المخل بالتزاماته استناداً للمادة (10/ثانياً/ج) من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية والتي نصت على ان ( اصدار قرار سحب العمل من المقاول عند اخلاله ببنود العقد وتنفيذ الاعمال المخل بها عن طريق مقاول اخر وباتباع احد اساليب التعاقد المنصوص عليها في المادة (3) من هذه التعليمات) ، حيث تتضمن التوصية الفنية من ممثل رب العمل (المهندس) احد حالات الاخلال بالتنفيذ المنصوص عليها في المادة (65) من الشروط العامة لمقاولات اعمال الهندسة المدنية بقسميها الاول والثاني لسنة 1987 المعدلة ، اذ يعد اجراء سحب العمل من العقوبات الضاغطه على المقاول لانها لاتنهي العقد وانما تسحب يد المقاول من المشروع وكل ماهو موجود فيه من مواد ومنشات وتضع الادارة يدها على موقع العمل وتتولى زمام ادارة المشروع ، فاذا كان العمل في مراحله الاخيرة يتم تشكيل لجنة اسراع من فني رب العمل لتنفيذ الاعمال المتبقية على حساب المقاول ، على ان يكون المقاول ممثلاً فيها وتفرض على المقاول التحميلات الادارية بما لاتزيد عن (20%) عشرين من المئة من كلفة الاعمال المخل بها ، اما اذا لم يكن العمل في مراحله النهائية فيتم سحب العمل منه وينفذ العمل على حساب المقاول المخل بالتزاماته ، وهنا يثور التساؤل حول فرق البدلين الذي يمكن ان ينشأ بين سعر او كلفة العقد او كلفة الفقرات غير المنفذه قياساً الى الاسعار او الكلف الجديدة التي نفذت بها المقاولة على حساب المقاول الاول المخل( المسحوب العمل منه) ، على فرض ان المقاولة قد نفذت بنفس شروط العقد ولم تطرأ تغييرات على بنود العقد من حيث الكميات والتصاميم والانواع والمناشىء وغيرها من تفاصيل العمل الواردة بجدول الكميات المصادق عليه من طرفي العقد بعد احالة المناقصة ، ولاسيما ان دفع فرق البدلين ورد النص عليه كمعالجة لحالة نكول المناقص الفائز وحالة نكول المرشح الاول والثاني والثالث عن اتمام العملية التعاقدية ، ولم ترد في التعليمات الاشارة الى استحقاق فرق البدلين كاثر لسحب العمل من المقاول وتنفيذ العمل على حساب مقاول اخروفق احد طرق التعاقد المنصوص عليها في هذه التعليمات ، وسنحاول الاجابة على هذا التساؤل من خلال تتبع الاتجاهات القضائية لمحكمة التمييز الاتحادية وكما يأتي :
1. الاتجاه الاول : يذهب الى استحقاق الادارة فرق البدلين في حالة سحب العمل من المقاول وتنفيذ المقاولة على حسابه من قبل مقاول اخر وبنفس شروط العقد ، ولايكون التنفيذ في مثل هذه الحالة عذراً لاعفاء المقاول المسحوب العمل منه من فرق البدلين ، وهذا ماقررته محكمة التمييز الاتحادية في قرارها التمييزي بالعدد (3211/الهيئة الاستئنافية / منقول /2019 ) في 29/10/2019 والذي جاء في حيثياته ( ... ان قيام دائرة المدعى عليه بانجاز اعمال العقد عن طريق شركه اخرى بعد سحب العمل من شركه المدعي بسبب اخلالها عن تنفيذ تلك الاعمال يجعل المدعى عليه محقاً بالمطالبة بفرق البدلين بعد اجراء الميزان الحسابي لاعمال العقد وعلى حسب استحقاق كل من الطرفين سواءً اكان انجازه عن طريق مقاول اخر او عن طريق شركه العراق العامة التابعه لدائرة المدعى عليه ، ويكون المدعى غير محق بطلب اعفاءه من فرق البدلين ...) والذي يستشف من القرار التمييزي اعلاه استحقاق الادارة (رب العمل ) لفرق البدلين اذا ما نفذ العقد وفق شروطه ، وان هذا الاستحقاق يكون عند انتهاء تنفيذ العقد من قبل المقاول الاخر وتسوية الحسابات الختامية ، ولاتقبل المطالبة بفرق البدلين قبل هذه المرحلة بمعنى اخر لاتقبل دعوى فرق البدلين اذا ما تم سحب العمل ولم تتم احالة المقاولة لمقاول اخر ولم يكن العمل قد انجز وفق شروط العقد لان تحديد فرق البدلين والمطالبة به يفترض اتمام العمل لمعرفه فرق الاسعار بين كلفة العقد (جدول الكميات) وبين ما انجزه المقاول الجديد بعد سحب العمل ، لان الاسعار من المؤكد تتغير في الفترة المحصورة من تاريخ اخلال المقاول وسحب العمل منه ومباشرة اجراءات التعاقد مجدداً مع المقاول الجديد ومدة التنفيذ ، فمن المرجح جداً ان ترتفع الاسعار من جراء هذا التاخير ، واخيراً فان القرار التمييزي لم يفرق بوصف المقاول الذي نفذ على حساب المقاول المخل، فممكن ان تكون شركة خاصة او عامة تابعه للادارة ذاتها.
2. الاتجاه الثاني : ويذهب الى عدم استحقاق الادارة (رب العمل) لفرق البدلين بعد سحب العمل اذا ماتمت احالة المقاولة باحد طرق التعاقد لمقاول اخر ولكن ليس بنفس شروط العقد الاصلي ، بحيث ان العقد اللاحق يعد عقد مستقل عن العقد الاصلي ولايكون امتداداً له من حيث الموضوع والاجراءات ، وهذا ما قررته محكمة التمييز الاتحادية في قراراها التمييزي بالعدد (2748/الهيئة الاستئنافية / منقول /2019 ) في 9/9/2019 والذي جاء في حيثياته (... ليس لدائرة المدعي المطالبة بفرق البدلين عن العقد المبرم بينها وبين المدعى عليه والخاص بتجهيزخمسة الاف منظومة انارة طاقه شمسية والعقد المبرم بينها وبين شركة اخرى لغرض تنفيذ الاعمال ، اذ تايد من التحقيقات الجارية بداءة و اسئنافاً اختلاف العقدين احدهما عن الاخر وبأن لكل واحد من العقدين شروطه الخاصة واعلانه المستقل وجهة التنفيذ والتعاقد ولايوجد ترابط بينهما ، وان العقد الثاني لايعد امتداداً للعقد الاول ، ولاسيما عدم اتباع دائرة المدعى عليه الاجراءات الواردة في تعليمات تنفيذ العقود الحكومية في حالة نكول المقاول عن تنفيذ الاعمال المتعاقد عليها ، فتكون الدعوى المقامة من قبلها بالمطالبة بفرق البدلين واجبه الرد لافتقارها للسند القانوني ...) .
3. ومما تقدم يمكن ان نستجلي موقف محكمة التمييز الاتحادية من استحقاق الادارة لفرق البدلين بعد سحب العمل من المقاول المخل بوجوب اتخاذ الاجراءات القانونية المنصوص عليها في تعليمات تنفيذ العقود الحكومية رقم (2) لسنة 2014 المعدلة سواء ما تعلق منها بسحب العمل او اجراءات الاحالة لمقاول اخر لتنفيذ الاعمال على حساب المقاول المخل ، لان الخلل الاجرائي في سحب العمل او الاحالة من شأنه ان ان يبطل السند القانوني لدعوى المطالبة بفرق البدلين ، كما يتوجب على الادارة ان يكون العقد المبرم بعد سحب العمل وفق شروط العقد الاصلي ويمثل امتداداً له ، لان ابرام عقد جديد لايمت بصله للعقد الاول يكون سببا لرد دعوى المطالبة بفرق البدلين ، واخيراً ان ميعاد المطالبة بفرق البدلين يكون بعد اتمام العمل والتسوية الحسابية للعقد لا قبل هذا الاوان ، لان فرق البدلين هو ناجم عن فرق الاسعار والكلفه مابين مرحلة المقاول المخل بالتنفيذ ومرحلة المقاول الذي نفذ على حسابه ...والله الموفق .