حان الوقت للهجوم .. بس على من؟
أحمد جاسم ألزبيدي
في كل بلدٍ على وجه الكرة الأرضية — من طشقند إلى المحاويل مرورًا بموسكو — ستجد القاعدة الذهبية :
!“وين ماكو بشر... أكو صالح وطالح، وواحد يطبّك بالغلط”
ومن أيام الغربة والدراسة في الاتحاد السوفيتي، وأنا أشاهد نفس المسرحية تتكرر:
ناس تتفرج، وناس تتدخل، وناس تهاجم لأن «الساعة قالت هيچ» !
أتذكر نكتة سوفيتية كانت تُحكى في الاقسام الداخلية للطلبة (ولا تزال تصلح لنشراتنا الإخبارية اليوم):
المشهد: باص مزدحم بالركاب صباحًا، و واحد من جنرالات الجيش السوفييتي منتصب القامة ، وجهه مكفهر كأنه داخل معركة، كل شويه يطالع ساعته، كأنّه ينتظر أمر الهجوم النووي!
وبعد دقائق، ينقضّ فجأة على رجلٍ أمامه، ينهال عليه ضربًا وركلاً بلا مقدمات! يتدخل راكب من آخر الباص، ويشارك بالضرب بحماسة الثائرين! يتوقف الباص، وتصل الشرطة، ويبدأ التحقيق: المحقق: ليش ضربته يا جنرال؟ الجنرال: لأنّه دعس على رجلي، انتظرت دقيقة، دقيقتين، ثلاث... وما رفعها! فقلت: «حان وقت الهجوم «! المحقق: طيب، وإنت ليش هجمت عليه؟ متوجها بالسؤال للراكب الآخر الراكب المتحمس: أنا شفت الجنرال كل شويه يطالع ساعته، فقلت أكيد حانت ساعة إبادة اليهود ... وقلت لازم أهاجم مع الجنرال ! ! وهنا مربط الفرس: ناس تهاجم بدون ما تفهم ليش وهذا المشهد يتكرر يوميًا على الفضائيات، ومواقع التواصل الاجتماعي : يطلع مسؤول يصرّح، أو سياسي يزعل، فتقوم الجيوش الإلكترونية، والمحللين بالوكالة، يهاجمون ويشتمون ويحلّلون ويمنعون الترشيح، كأنهم في باص الجنرال !
كأنّ أحدهم يصرخ: “الساعة الآن تشير إلى موعد جلد الخصوم!”
فينهالون على أول وجه يطلّ على الشاشة ! لا أحد يسأل: «ليش؟»، ولا «من؟»، ولا «شنو السبب؟ « المهم أن الهجوم بدأ، والباقي تفاصيل ! نعيش اليوم زمن «المقاتلين بالتوقيت»، ما يعرفون السبب، بس يعرفون الهجوم. تمامًا مثل ذلك الراكب الطيب الذي ظنّ أن الجنرال أعلن «حرب إبادة اليهود «... وهو بالحقيقة يريد فقط ان يحرر رجله من تحت الحذاء !
فيا أبناء هذا الزمان الجميل، لا تصدّقوا كل من طالع ساعته وقال «حان الوقت للهجوم !»... فكل يبكي على ليلاه