وهم الحلم … و خرائط الدم
جعفر محيي الدين
لم يكن تصريح بنيامين نتنياهو عن ما يسميه (إسرائيل الكبـرى) نزوه عابرة في خطاب سياسي ، ولا مناورات لشد العصب الداخلي ، بل هو تعبير واضح عن عقيدة راسخة في الذهنية الصهيونية ، منذ عقود عقيدة تتغذى على عاملين : طموح توسعي لا يعرف حدوداً .. و تراخٍ خطير من بعض الأنظمة ، التي ظنّت أن مجاملة العدو طريقٌ إلى الأمان ..!!إن هذا الوهم الذي يسوّقه نتنياهو لم يهبط فجأة من السماء ، بل نبت على أرض ممهّدة بالتخاذل و التنازل ، حين يُسلَّط الإرهاب في قلب المنطقة ويُسمح لقيادات مصنّعة مثل (الجولاني) ، بأن تتصدّر المشهد و تفرض نفسها كأمر واقع ، فإننا أمام معادلة أُريد لها أن تكون حجراً إضافياً في بناء المشروع الصهيوني ، و حين يُغتال قادة كبار مثل ( الـسيد الـشهيد حـسن نـصر الله ) و قادة في محور المقاومة داخل إيــران ، فإن الرسالة لا تُقرأ فقط في سياقها العسكري ، بل في سياق أعمق .. إفراغ الساحة لكل من يقف سدّاً أمام خرائط (إسرائيل الكبرى) .و شهدنا في سياق هذا التراجع تنازلاً خطيراً في قضية خـور عـبد الله ، و هو مثال صارخ على أن تفريط اليوم ، قد يكون حجر الأساس لمشاريع الغد ، فالتنازل عن شبر من الأرض أو الممرات المائية ، ليس حدثاً معزولاً بل هو بداية سلسلة تغييرات جغرافية تستمد منها إسرائيل قوتها ، لتعيد رسم حدود المنطقة بما يخدم مصالحها الإستراتيجية و الإقتصادية في المستقبل .
المفارقة أن بعض الحكام العرب يرون في هذه الضربات نصراً لحليفهم الموهوم ، بينما الحقيقة أنهم صاروا (بوعي أو بغير وعي) خدماً أوفياء للمشــروع الجـغـرافـي و الـديـمغـرافـي الذي يرسمه الإحتلال ..!! مشروع لن يقتصر على فلسطـين ، بل سيمتد ليعيد تشكيل الخريطة و الهوية في أكثر من بلد عربي ، بما يخدم فكرة السيطرة الكاملة على الشرق الأوسط .لكن هذا المشهد القاتم ليس قدراً محتوماً و المقاومـة : و في مقدمتها الـجمهـورية الإسـلاميـة في إيــران ، أثبتت أن الردع ممكن و أن الحلم الصهيوني يمكن أن يتكسر أمام إرادة الشعوب ، و على الجانب الآخر .. يبرز صـوت الـسيد مقـتـدى الـصـدر رافضاً بوضوح هذا المشروع ، و داعياً إلى التصدي له بعقيدة لا تتجزأ في الحفاظ على وحدة الإسـلام و الـمسلمين ، و إلى جعل الموقف أكثر من مجرد بيانات بل فعلاً يعيد الأمة إلى مسارها الحقيقي .هكذا يتبين أن وهم الـحـلـم الذي يراهن عليه نتنياهو ، ليس إلا أختباراً لإرادة المنطقة إما أن تُستكمل فصول الخرائط المرسومة في (غرف مغلقة) ، أو يُكتب فصل جـديد في تاريخ الصمود يجهض أحـلام (إسرائيل الكبرى) قبل أن تتحول إلى واقع ..!!؟؟