استقالة بـ 50 مترًا… وميزانيات بـ 500 مليار: مفارقة برلمانات

ضياء واجد المهندس

في النرويج، أطاحت شقّة مساحتها خمسون مترًا مربعًا برئيسة مجلس النواب إيفا كريستين هانسن. المسافة بين منزلها والبرلمان كانت 29 كيلومترًا فقط، أقل من الحد القانوني المسموح للاستفادة من شقق الدولة (40 كلم). النتيجة: استقالة فورية، اعتذار علني، وتعهد بتسديد ما ترتّب عليها.

النرويج التي تدير صندوقًا سياديًا يتجاوز تريليون وثلاثمئة مليار دولار، لا تتسامح مع «مخالفة صغيرة» في استحقاق سكن رسمي. هناك، الدقة في الامتيازات جزء من احترام المال العام… لا فارق بين وزير ونائب ومواطن أمام القانون.

أما في العراق، فالصورة مختلفة تمامًا.

تكلفة البرلمان العراقي… إنفاق ضخم بلا مساءلة

تقارير محلية أظهرت أن تكلفة مجلس النواب خلال 10 أشهر فقط بلغت نحو 495 مليار دينار، أرقام تشمل رواتب، مخصصات، بدلات حماية، سكن، ومكاتب. التكلفة الإجمالية للنائب الواحد تصل إلى ملايين الدولارات خلال الدورة البرلمانية، بينما الخدمات الأساسية تعاني من نقص دائم.

راتب النائب وحده — وفق تقديرات منشورة — يتراوح بين 12 إلى 25 مليون دينار شهريًا حسب البدلات، إضافة إلى ملفات الحماية التي تُعدّ من أكثر أبواب الصرف غموضًا وإثارة للنقاش.

فجوة القيم… قبل فجوة الأرقام

الفرق بين الحالتين ليس ماليًا فقط، بل أخلاقي قبل كل شيء:

في النرويج، شقّة «غير مستحقة» تُسقط رئيسة البرلمان.

في العراق، مليارات تُصرف بلا تفصيل، واتهامات فساد تتراكم بلا إقالات ولا استرداد ولا اعتذار.

لماذا ينجح الآخرون؟

لأن المساءلة في الدول المتقدمة ليست مجرد نصوص؛ بل ثقافة مؤسسية. الصحافة تحقق، القضاء يتحرك، المسؤول يستقيل، والمال العام يبقى خطًا أحمر.

الخلاصة

فضيحة الـ «50 مترًا» في النرويج لم تكن عن شقة… بل عن المعنى الحقيقي للنزاهة. أما في العراق، فإن الحديث عن إصلاح سياسي يبقى بلا قيمة ما لم يبدأ من سؤال بسيط:

من يحاسب من؟ وعلى ماذا؟ وبأي شفافية؟

رئيس مجلس الخبراء العراقي