الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ترامب في ولايته الثانية

بواسطة azzaman

ترامب في ولايته الثانية

محمد علي الحيدري

 

يبدو أن رئاسة دونالد ترامب الثانية تتجاوز كونها مجرد عودة إلى البيت الأبيض، لتتحول إلى مختبر سياسي يعيد تعريف العلاقة بين الرئيس والدولة. فمنذ الأيام الأولى، شرع ترامب في استخدام أدوات الحكم كأوراق على طاولة البوكر، تمامًا كما وصف نفسه في أكثر من مناسبة. فعبارته الشهيرة: “لدينا أوراق أكبر وأفضل بكثير مما لديهم”، التي وجّهها تارة إلى الصين وتارة إلى كندا، تكشف ذهنية رجل يرى في الدولة مخزونًا من الأوراق يمكن رميها أو الاحتفاظ بها وفقًا لمصلحته.تقرير لوكالة أسوشيتد برس يعكس هذه العقلية بشكل واضح: ترامب لم يكتفِ بالحديث عن “تسليح الدولة” حين كان مرشحًا، بل جعل منها واقعًا عمليًا بعد عودته إلى السلطة. لم يعد الأمر مجرد شعار انتخابي بل سياسة منهجية، تشمل الجامعات، الإعلام، الأجهزة الأمنية، وحتى الاحتياطي الفدرالي. وقد تحولت الخصومات الشخصية إلى ملفات حكومية، وأصبحت أدوات العدالة والقانون في خدمة “تصفية الحسابات”.

المفارقة اللافتة تكمن في التناقض بين الخطاب والممارسة: ترامب ترشح وهو يصوّر نفسه ضحية “الدولة العميقة” و”تسليح وزارة العدل” من قبل الديمقراطيين، لكنه اليوم يفعل الشيء نفسه ضد خصومه. المفكر السياسي ستيفن لوكس أشار منذ عقود إلى أن السلطة ليست مجرد قرارات تنفيذية، بل هي أيضًا قدرة على تشكيل النقاش العام وتحديد ما يُقال وما يُحجب. وترامب، كما يلاحظ التقرير، يمارس هذا البعد الثالث من السلطة بمهارة، عبر الميمات والسخرية وتكرار الأكاذيب حتى تصبح جزءًا من الوعي العام.

خطورة المشهد لا تكمن فقط في نزعة ترامب الفردية، بل في تجاوب القاعدة الشعبية معه. كما قال الباحث ديفيد إن. سميث (جامعة كانساس): “لم يعجبهم حين استُخدمت الدولة ضد ترامب، لكنهم سعداء برؤيتها تعمل لمحاربة حرب الثقافة نيابة عنهم”. أي أن هناك قبولًا اجتماعيًا متزايدًا لفكرة الدولة المسلّحة حين تُستخدم ضد “الآخر”، سواء كان مهاجرًا، أو جامعة ليبرالية، أو وسيلة إعلامية.من الناحية الدستورية، استطاع ترامب في فترته الثانية أن يتجاوز قيودًا لطالما كبّلت أسلافه: البيروقراطية، التقاليد، وحتى بعض توازنات السلطات. المحكمة العليا والكونغرس، عن قصد أو تهاون، تخلّيا عن كثير من صلاحياتهما، تاركين للرئيس مساحة أوسع للمناورة. النتيجة أن ترامب لم يعد مجرد رئيس جمهورية، بل أقرب إلى رجل أعمال يملك شركة اسمها “الولايات المتحدة الأميركية”، يتصرّف في مواردها وأدواتها بما يخدم استراتيجيته الخاصة.

يبقى السؤال الجوهري: هل يفتح هذا المسار الباب أمام “إعادة تعريف” الديمقراطية الأميركية بحيث تتحول إلى ساحة تصفية حسابات شخصية عبر مؤسسات الدولة؟ أم أن النظام، بقضائه وصحافته ومجتمعه المدني، قادر على إعادة موازنة الأمور؟ تقرير أسوشيتد برس يلمّح إلى أن ترامب يختبر حدود النظام بلا هوادة، وأن العائق الأبرز أمامه لم يعد المؤسسات، بل الزمن: إلى أي مدى يمكن لولاية رئاسية أن تتحمل هذا القدر من التسييس الممنهج لمؤسسات الدولة؟

في النهاية، لا يمكن قراءة ممارسات ترامب بمعزل عن ثقافة سياسية أميركية تعيش أزمة ثقة وانقسامًا غير مسبوق. وإذا كان ترامب قد أتقن لعبة البوكر في السياسة، فإن الثمن الذي قد تدفعه الديمقراطية الأميركية سيكون أكبر بكثير من أي صفقة على الطاولة.

 

 


مشاهدات 190
الكاتب محمد علي الحيدري
أضيف 2025/09/07 - 3:50 PM
آخر تحديث 2025/09/08 - 5:38 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 166 الشهر 5295 الكلي 11423168
الوقت الآن
الإثنين 2025/9/8 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير