الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تعفن الدماغ

بواسطة azzaman

أفكار بصوت مرتفع

تعفن الدماغ

زينب كاظم

 

في هذا العصر المزدحم بالمشتتات أصبح من الصعب المحافظة على تركيزنا كما كنا من قبل ،فنتفتح عيوننا كل صباح فنجد اشعارات الهاتف تسبق حتى أفكارنا ونمضي ساعات طويلة من يومنا متنقلين بين التطبيقات المتعددة بلا وعي منا ثم نتساءل في النهاية أين ذهب وقتنا ولماذا نشعر بكل هذا الإرهاق الذهني وكأن طاقتنا تتسرب دون إنجاز شيئا فعليا ونظن وقتها أنها حالة بسيطة من عدم التركيز  لكنه في الحقيقة أحد أخطر أمراض هذا العصر الذي ينهش عقول جيل كامل .

في العام (٢٠٢٤م ) أعلنت جامعة أكسفورد أن كلمة العام هي تعفن الدماغ (Brain Rot)وهذا المصطلح يصف التدهور العقلي والفكري الناتج عن الإستهلاك المفرط للمحتوى التافه والسطحي على وسائل التواصل الإجتماعي ،فالعقول اليوم تنهار ببطئ دون أن ننتبه لأننا ببساطة نستهلكها بطريقة خاطئة ونحرمها من أبسط ما تحتاج إليه

فلماذا يحدث تعفن الدماغ ؟

أول سبب هو وسائل التواصل الاجتماعي حين ننتقل من فيديو قصير الى اخر ومن منصة إلى اخرى فنحن ندرب عقلنا على القفز السريع بين الأفكار لكن النتيجة كارثية فبعد كل ذلك لا نتذكر شيئا لأن عقلنا لم يحصل على الوقت الكافي ليعالج المعلومات وهذا الإستهلاك المستمر يقتل قدرتنا على التركيز ويضعف تفكيرنا العميق ويترك عقولنا مشوشة لا تحتفظ الا بالسطحية والضجيج ،والسبب الثاني السهر والنوم غير المنتظم فالسهر ينهك أدمغتنا ويضعف تركيزنا ويجعل ذاكرتنا أثقل وأمزجتنا أكثر توترا ،وحين ينام المرء ساعات قليلة في أوقات متفرقة كل ليلة فلن يجد طاقته مكتملة ولا ذهنه صافيا ،والسبب الثالث قلة الحركة فعندما لا يتحرك الإنسان تقل نسبة وصول الأوكسجين للدماغ ومعهما تقل قدرة الإنسان على العمل والانجاز والتفكير والإبداع ،أما الأعراض التي تدل على أن الدماغ بدأ يتعفن هي النسيان المتكرر والتشتت الذي يمنعنا إنجاز أبسط الأمور وعجز عن إتخاذ أبسط القرارات وقلق وتوتر بلا أدنى سبب ونوم متقطع وخفيف وتقلبات حادة في المزاج وفقدان الشغف بالدراسة أو العمل أو الأهداف وعزلة ورغبة بالابتعاد عن الناس ،ان كل ما ذكرنا ليست تفاصيل عابرة بل هي رسالة عاجلة من أدمغتنا تقول انقذونا .

فكيف ننقذ أنفسنا ؟أن الحل لا يقوم على الكلام النظري بل على خطوات عملية نعيشها كل يوم وهي : أولا أن نقلل من استخدام الهاتف فالهاتف لم يعد وسيلة ترفيه بل صار أكبر سبب لفقدان تركيزنا وتبعثر أفكارنا ،فمواقع التواصل الاجتماعي صممت لتخطف انتباهنا لحظة بعد لحظة حتى نصبح عاجزين عن الجلوس مع أنفسنا بلا شاشة وكل دقيقة إضافية أمام الشاشة تسرق منا صبرنا وطاقتنا الذهنية ،أن تقليل الاستخدام ليس حرمانا بل هو إستعادة لحياتنا الحقيقية ،الأمر الآخر لحل تلك المشكلة هي تدريب عقولنا على الفائدة فبدلا من استهلاكنا لمئات المقاطع اليومية نستثمر وقتنا في تعلم شيء جديد كأن يكون لغة جديدة أو كتابة  أو تصميم أو برمجة وعلينا أن نبدأ بخطوة صغيرة ونحول التعلم إلى عادة يومية فأدمغتنا تحب التحديات فكل معلومة جديدة هي غذاء حقيقي ،أما الحل الأخر هو أن نملأ وقتنا بالقراءة والتفكير فالكتاب ممكن أن يمنحنا ما لا يستطيع أن يمنحنا إياه مقطع قصير فالقراءة تعيد تدريب عقولنا على التركيز  الطويل وتفتح أمامنا أبوابا من المعرفة العميقة بل وحتى الكتابة والتدوين البسيط يساعد أدمغتنا على ترتيب الأفكار واستعادة الوضوح فالقراءة ليست تحريك عينين بل هي رحلة وعي تعيد تشكيل نظرتنا لكل ما حولنا ومعها نكتشف أن ذهننا صار أكثر صبرا وأكثر قدرة على مقاومة المشتتات ،كذلك يجب أن نعطي  أجسادنا حقها مثلا يجب ممارسة الرياضة بانتظام فالعقل لا يصفو الا بجسد نشيط وهنا لا يشترط أن تكون رياضة شاقة بل يكفي أن نركض قليلا أو أن نمشي نصف ساعة يوميا فالحركة هي ما يحفظ اتزاننا بين قوة الجسد وصفاء العقل ،كذلك يجب تنظيم النوم فالنوم المتأخر لا يرحم أدمغتنا والسهر المستمر يرهق خلايا أدمغتنا ويجعل القلق والاكتئاب أقرب الينا مما نتصور ،اما النوم المبكر المنتظم الذي يتراوح من سبع إلى ثمان ساعات فهو أعادة تشغيل كاملة لعقولنا فعندما نبدا يومنا مع الفجر فهذا يعني أن نأخذ نصيبنا من السكينة والصفاء الذهني ،وأخيرا وليس آخرا يجب ألا نهمل جانبنا الروحي فالصلاة ليست عادة تؤدى بل طاقة تحفظ توازننا في الدنيا وزاد يرفعنا في الآخرة فحين نقف بين يدي الله عز وجل نجد سكينة لا يمنحها شيء آخر ونشعر وكأن قلوبنا غسلت من ثقل الهموم فمن حافظ على صلاته عاش مطمئن النفس قوي العزيمة ثابتا أمام تقلبات الحياة .

يجب أن نتذكر دوما أن أدمغتنا لسيت مجرد عضوا بل هي حياتنا كلها وإذا اهملناه فسيذبل يوما بعد يوم حتى يعجز عن أداء أبسط المهام وإذا اعتنينا به سنكتشف إننا قادرين على التركيز والتفكير والإبداع بشكل لم نتخيله من قبل.


مشاهدات 97
الكاتب زينب كاظم
أضيف 2025/09/07 - 3:22 PM
آخر تحديث 2025/09/08 - 6:32 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 537 الشهر 5666 الكلي 11423539
الوقت الآن
الإثنين 2025/9/8 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير