لماذا يجب إعادة النظر في قائمة السفراء الأخيرة ؟
سعد ناجي جواد
شغلت قضية قائمة السفراء الأخيرة، وبصورة غير مسبوقة، الرأي العام العراقي عامة والدوائر المهتمة بالدبلوماسية والشؤون الخارجية والسياسية بصورة خاصة. والسبب في ذلك ان القائمة اهملت الكثير من الأسس التي استندت عليها معايير اختيار السفراء والقوانين المرعية والأعراف المتبعة التي تراكمت في العمل الدبلوماسي العراقي منذ تاسيس الدولة العراقية. فمن المعروف ان السفير الذي يجري اختياره لكي يكون الشخص الاول الذي يمثل العراق في الخارج يجب ان يكون، بالاضافة إلى كونه يحمل المؤهلات المطلوبة كالشهادة واللغة الاجنبية والمظهر اللائق والمتخرج من المعهد الدبلوماسي، فانه مطالب بان يكون نموذجا في النزاهة والبعيد عن الشبهات. كما ان الاختيار والتعيين يجب ان يكون مناطا بوزارة الخارجية حصرا صاحبة المعرفة الدقيقة بالمرشحين، (وهذا ايضا ما حدده قانون الخدمة الخارجية، وقانون وزارة الخارجية رقم 45 لسنة 2008.
خرق القانون
علما بان هذا القانون على سلبياته اشترط ان يتم اختيار 75 بالمئة من السفراء من قبل وزارة الخارجية حصرا، و25 بالمئة من قبل الأحزاب). لكن القائمة الاخيرة مثلت خرقا لهذا القانون ايضا، ولكل المعايير الأخرى، صحيح انها احتوت على اسماء بعض من الاشخاص الذين يستحقون مثل هذا المنصب المهم، إلا ان المختصين يقولون ان الغالبية لا تنطبق عليهم هذه المواصفات، وهذا الامر يجب ان يدقق من قبل لجنة محايدة ومختصة. الخرق الثاني تمثل في تمرير القائمة، التي لم يطلع عليها البرلمان، في جلسة حامت حولها شبهات كثيرة ووجهت لها انتقادات جدية حول قانونيتها، اذ اكد العديد من النواب ان الجلسة كانت غير مكتملة النصاب، وانهم (النواب) لم يطلعوا على السير الذاتية للمرشحين لدراستها. الخرق الثالث هو ان حتى هذه القائمة التي تم الاعتراض على الكثير من الاسماء التي وردت فيها، جرى التلاعب بها بعد ان اقرتها اللجنة المشكلة لهذا الغرض، وتم إضافة اسماء لاشخاص لم يتم عرض اسمائهم على اللجنة نفسها، وبالتالي لم تكن مرشحة من قبلها. رابعا ان بعض الأسماء التي رُشِحت تم استبعادها من قوائم المرشحين للانتخابات من قبل المفوضية العليا للانتخابات لسبب او لآخر، والسوال هنا هو كيف يمكن ترشيح شخص لمنصب سفير في الوقت الذي تم إعلان عدم أهليته لخوص الانتخابات؟ وكيف يمكن التوفيق بين حرمان شخص من تمثيل مائة الف عراقي في مجلس النواب، بينما يمنح نفسه شرف تمثيل كل دولة العراق بمؤسساتها وشعبها في الخارج والمنظمات الدولية؟
تضارب مصالح
وأخيرًا وليس آخر ان القائمة مثلت خرقا لمبدأ تضارب المصالح المتعارف عليه في القوانين بصورة عامة، والقوانين العراقية لا تختلف في هذا المجال، وتضارب المصالح يمكن ان ياخذ أشكال عدة ربما أبرزها هو: لا يحق للموظف الذي يتصدى للشأن العام ان يحقق مكاسب له ولعائلته او اقربائه مستفيدا من المنصب الذي يشغله، او ان يعمد عضو في لجنة ما إلى الاستفادة من هذه العضوية لتحقيق مكاسب شخصية له حصرا.
لقد طالت وزارة الخارجية وسمعة العراق الدبلوماسية الكثير من الانتقادات والاعتراضات على سلوك عدد غير قليل من الدبلوماسيين الذين عُينوا بصورة اعتباطية وتجاوزا على المعايير، وبالتالي فان من مصلحة العراق ان يتم تجنيبه اية اعتراضات وانتقادات جديدة، خاصة وان وزارة الخارجية تمتلك من الكفاءات والمؤهلات ما يمكنها من سد كل الشواغر في مجال اختيار السفراء. لهذه الاسباب مجتمعة، ولكون القائمة مثلت غبنا واضحا للكثير من الذين يستحقون هذه الترقية، فان الأمر يتطلب اعادة النظر فيها خدمة للمصالح العراقية العليا ولسمعة البلد في هذه الظروف الحرجة.