الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حين تخدعنا التصنيفات الوهمية.. التعليم هو معركة النجاة الأخيرة

بواسطة azzaman

حين تخدعنا التصنيفات الوهمية.. التعليم هو معركة النجاة الأخيرة

إسماعيل محمود العيسى

 

تنتشر في كل عام موجة من المنشورات “الجاهزة” التي تتحدث عن تصنيفات دولية لجودة التعليم، وتنسبها – خطأً – إلى المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، وتُظهر دولًا عربية في القمة وأخرى في القاع، وتصدر أحكامًا كارثية بأن «العراق خرج من التصنيف العالمي»، لكن الحقيقة حين نضعها تحت ضوء البحث العلمي، تكشف أن هذه الأرقام لا أساس لها، وأن المنتدى الاقتصادي العالمي توقف عن إصدار أي مؤشر يقيس جودة التعليم منذ عام 2018، ولا يوجد شيء اسمه تصنيف دافوس للتعليم 2024 من الأساس. ورغم وضوح هذه الحقيقة في الوثائق الرسمية، يستمر تداول منشورات تقول إن “قطر الأولى عالميًا” و”الإمارات العاشرة” و”لبنان الخامسة والعشرون” وأن “العراق وسوريا واليمن خرجت من التصنيف”، وكل هذه الجداول، كما أثبتت مراجعتنا، مجرد محتوى منسوخ بلا مصدر، ظهر أول مرة عام 2020 ثم أعيد تدويره كل سنة، حتى أصبح عند البعض “حقيقة” لا تُناقش، ومن المفارقة المؤلمة أن هذه الأرقام غير موجودة في أي تقرير للمنتدى، لا في موقعه الرسمي ولا في أرشيفه الرقمي، ولا حتى ضمن ملاحقه البحثية.

لكن غياب الحقيقة في فضاء التواصل لا يلغي حقيقة أخرى: أن التعليم العربي، والعراقي خصوصًا، يمر بأزمة عميقة لا تحتاج إلى أرقام مفبركة لتُثبتها،  فالعراق، شأنه شأن دول عربية أخرى، لا يشارك أصلًا في اختبارات PISA و TIMSS التي تعتمدها منظمة OECD، وهذه الاختبارات تمثل المعيار العالمي الحقيقي لقياس أداء الطلبة، وليس تصنيفات متخيلة يتناقلها الناس في مجموعات الواتساب.

قدرات الطلبة

وليس غياب المشاركة نقصًا في قدرات الطلبة، بل هو انعكاس لخلل مؤسسي يتطلب إصلاحًا جذريًا في المناهج، والبيئة المدرسية، وتدريب المعلمين، والحوكمة، والتمويل، والشفافية، الإصلاح الحقيقي يبدأ من الاعتراف بالمشكلة، لا بتزيينها أو تهويلها، فالدول التي تقدمت في التعليم لم تفعل ذلك لأنها ظهرت يومًا في “تصنيف” على الإنترنت، بل لأنها وضعت التعليم في صدارة مشروعها الوطني، وربطت المدرسة بالاقتصاد، والمعلم بالقيمة، والبحث العلمي بالتنمية.

إن أخطر ما في تداول التصنيفات الوهمية ليس أنها خاطئة، بل أنها تصرف الأنظار عن الأسئلة الحقيقية:

كيف نعيد جودة المناهج؟

كيف نضمن مشاركة مدارسنا في التقييمات الدولية؟

كيف نربط التعليم بسوق العمل؟

وكيف نتجاوز المرحلة التي أصبح فيها الجيل القادم مهددًا بالجهل، لا بسبب قلة الذكاء، بل بسبب ضعف الأنظمة التي يفترض أن تصنع مستقبله؟

نحن اليوم أمام مفترق طرق، إما أن نبقى أسرى منشورات لا يعرف أصحابها الفرق بين مؤشر حقيقي وآخر مزيف، وإما أن نقرر بدء معركة النهضة التعليمية… المعركة التي لا نجاة للعراق بدونها، فالتعليم لم يعد رفاهية، بل هو السلاح الأخير للدول التي تريد أن تنجو.

ويبقى السؤال مفتوحًا

هل نحن مستعدون لصناعة نهضة حقيقية، أم سنكتفي بتبادل تصنيفات لم يصدرها أحد؟

 


مشاهدات 38
الكاتب إسماعيل محمود العيسى
أضيف 2025/12/13 - 4:02 PM
آخر تحديث 2025/12/13 - 11:01 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 790 الشهر 9833 الكلي 12793738
الوقت الآن
السبت 2025/12/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير