العوائل في المؤسّسات وإنعكاساتها الإدارية
انتظار العظيمي
تشهد بعض مؤسسات الدولة العراقية – ولا سيما المؤسسات المالية ذات التأثير المباشر على المال العام – اتساع ظاهرة “العوائل الوظيفية”، حيث يقوم عدد من المسؤولين باستقدام زوجاتهم وأقاربهم إلى مواقع إدارية أو رقابية أو تنفيذية داخل المؤسسة، في ممارسة تتعارض مع الأطر الدستورية والقانونية التي تنظّم الوظيفة العامة. وتزداد خطورة الظاهرة عندما تصدر عن مسؤولين محكومين أو مطلوبين في قضايا نزاهة، ما يشكّل تضارباً صارخاً بين البنية القانونية للدولة والواقع الإداري.
أولاً: الإطار الدستوري للوظيفة العامة
ينص الدستور العراقي لسنة 2005 على جملة مبادئ تؤطر العمل العام، من أبرزها:
1. مبدأ تكافؤ الفرص – المادة (16)
تنص المادة (16) على أن:
“تكافؤ الفرص حقٌ مكفول لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك.”
تعيين الأقارب في مواقع حساسة خارج إطار المنافسة المهنية يشكل انتهاكاً مباشراً لهذا المبدأ الدستوري، ويُعدّ حرماناً غير مشروع لحقوق الآخرين.
2. مبدأ النزاهة ومنع الفساد – المادة (102) وما بعدها
تتطلب المواد الخاصة بهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية وجود استقلالية وإجراءات تمنع تضارب المصالح. إدخال الأقارب في المواقع الرقابية أو المالية ينسف هذه الغاية الدستورية.
ثانياً: المخالفات وفق قانون العقوبات العراقي
1. جريمة استغلال الوظيفة – المواد (331–340)
تنص المادة (331) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 على معاقبة الموظف الذي يمتنع أو يتعمد الإخلال بواجبات وظيفته. كما تعاقب المادة (340) أي موظف أضرّ عمداً بأموال أو مصالح الدولة.
تعيين الأقارب بقصد السيطرة على مفاصل المؤسسة يُعدّ استغلالاً لمنصب عام لتحقيق منفعة شخصية، ويندرج ضمن هذه المواد.
2. جريمة الواسطة والمحسوبية
رغم عدم وجود نص مباشر بعنوان “المحسوبية”، إلا أن القضاء العراقي يرفق هذه الممارسات ضمن جرائم استغلال النفوذ أو الإضرار بالمصلحة العامة، وذلك استناداً للمواد (331–341).
ثالثاً: قانون انضباط موظفي الدولة (رقم 14 لسنة 1991)
يحدد القانون واجبات الموظف وعقوباته، وتُعدّ ظاهرة العوائل من أبرز مخالِفات:
1. الإخلال بسمعة الوظيفة – المادة (4 / خامساً)تعيين الأقارب من دون استحقاق أو خارج السياقات الأصولية يؤثر سلباً على سمعة الوظيفة ويعدّ مخالفة مسلكية صريحة.
2. سوء استعمال السلطة – المادة (4 / سادساً)وهو ما ينطبق على المسؤول الذي يستخدم صلاحياته لنقل أو تعيين أقاربه في دوائر حساسة دون مسوّغ قانوني.
رابعاً: قانون هيئة النزاهة والكسب غير المشروع
وفق قانون هيئة النزاهة رقم 30 لسنة 2011 المعدل:
1. تضارب المصالح – المادة (19)
تمنع المادة المذكورة كل ما يؤدي إلى تضارب المصالح بين الموظف وعمله، وتشمل حالات القرابة في المؤسسات التي تمسّ المال العام.
2. الإبلاغ عن المشمولين بإجراءات الكسب غير المشروع
وجود مسؤول محكوم أو مطلوب في قضايا النزاهة يستتبع إجراءات قانونية تمنع عودته إلى المنصب، الأمر الذي يجعل إعادة تعيينه مخالفة قانونية مزدوجة.
خامساً: الآثار القانونية والإدارية للظاهرة
1. إبطال القرارات الصادرة عن الموظف
يمكن الطعن بقرارات المسؤول المعني أمام القضاء الإداري بسبب تعارضها مع مبادئ “الحيادية” و”تكافؤ الفرص”.
2. إحالة المسؤول إلى التحقيق
استناداً إلى قوانين النزاهة والانضباط واستغلال الوظيفة.
3. اعتبار التعيينات باطلة
وفق قرارات مجلس الدولة في سوابق قضائية عديدة، لكل تعيين يخالف آليات التوظيف الرسمية أو يشكّل تضارب مصالح.
4. مسؤولية جنائية عند ثبوت الضرر بالمال العام
خاصة في المؤسسات المالية الكبرى التي تتعامل مع موارد الدولة.
سادساً: التوصيات القانونية
1. إقرار قانون صارم لمنع تضارب المصالح يشمل منع توظيف الأقارب حتى الدرجة الرابعة في السلسلة الإدارية نفسها.
□ تتمة الموضوع على موقع(الزمان) الالكتروني
2. تعزيز دور التفتيش المالي والإداري بإعطائه سلطة المداهمة والتدقيق الفوري.
3. تحريك الدعاوى العامة بصورة تلقائية ضد أي مسؤول يثبت تورطه في التعيينات العائلية غير المشروعة.
4. ربط الوظائف العليا بآليات تنافسية تتضمن لجاناً مستقلة وشفافة.
الخلاصة
إن ظاهرة “العوائل الوظيفية” لا تمثل مجرد انحراف إداري، بل هي مخالفة دستورية وجنائية ومسلكية مجتمعة، تهدد شرعية المؤسسة العامة، وتفتح الباب لاستغلال النفوذ وتضارب المصالح وإضعاف الثقة بالدولة. وتطبيق القانون بصرامة هو السبيل الوحيد لوقف هذا النمط من الفساد ومنع تحوّل المؤسسات إلى شبكات عائلية لا تخضع إلا لسلطة الشخص لا سلطة القانون.