فاتح عبد السلام
هناك حقائق في الواقع الجغرافي والديمغرافي والسياسي، باتت اكثر وضوحا في السنوات الأخيرة، وهنا الكلام ليس عاطفياً ولا سياسياً ولا معنياً بأية قضية داخلية او خارجية لكنه توصيف لواقع الحال من دون انتقاص من دولة، أو شعب، أو جهة، أو مذهب.
فلبنان واحد من بين أصغر البلدان العربية في السكان والمساحة والانتاج، لكنه الأكثر في اثارة الاحداث المقلقة في خلال العقود الخمسة الأخيرة لأسباب قد تكون مقحمة عليه كالقضية الفلسطينية، بالرغم من انه لم يشترك في أي حرب كبيرة جرت بين العرب وإسرائيل في 1967 او 1973. لم يكن للبنان في السابق ولا يتوقع العرب منه الان أو في المستقبل ان يكون ذا دور تنموي أو دور فاعل في قضايا اقتصادية أو تجارية مهمة.
ميزة لبنان الأساسية، انه كان المكان الامثل للاستثمار الاستخباراتي العربي لتصفية الصراعات العربية البينية في العقود الماضية وكان ارضاً للمطاريد والملاحقين سياسياً، وانتهت تلك الميزة حتى قبل أن تسقط وتتلاشى أنظمة استثمرت هناك طويلا كعراق صدام، وليبيا القذافي وسوريا الأسد فضلا عن السعودية.
غير انَّ لبنان منذ الاجتياح الإسرائيلي لبيروت وخروج منظمة التحرير الفلسطينية منها العام 1982، تحول الى برميل بارود مستمر بقذف اللهب ولا يزال، ولم يعد هناك نظام خارجي يستثمر، سياسيا، داخل هذا البلد المثقل بالأزمات سوى ايران.
بعد زيارة المسؤول الإيراني الكبير علي لاريجاني الى بيروت، اختلفت لهجة حزب الله الداخلية، وصار الكلام علناً في التلويح بمعركة كربلائية ثانية مضمونة النصر في سياق الرد على الحكومة اللبنانية التي اتخذت قرار حصرية السلاح بيد الدولة فقط. وجرى تفسير كلام حزب الله على انه التهديد بحرب أهلية. وهنا التساؤل الأساسي، هل ان الأطراف اللبنانية الأخرى ستستجيب للتهديد وتستعد لحرب لم تنسها بعد كانت قد أحرقت الأخضر واليابس بعد أذار 1975؟
وهل ستكون استجابة العرب هذه المرة بنفس استجابتهم في دعم طرف ضد اخر كما كانوا في الحرب الاهلية السابقة، أم انّ العرب سيغلقون ابوابهم لتأكل النيران لبنان وحده، فما حاجتهم للبنان في أي مجال من مجالات الحياة التي تخصهم، فالحياة العربية سوف تستمر ولن يتأثر أحد بما سيحل في لبنان، وحتى هيفاء واليسا ومريام ونجوى لديهن اقامات ذهبية في الخليج ولن يغبن عن الساحة، وليس هناك أحد من العرب أصلاً معتمداً على منتوج لبناني أو مصلحة لبنانية معينة ، وليست هناك كفاءة لبنانية لا يوجد تعويضها عربياً؟
النار إذا اندلعت في لبنان لن تنال إلا من اهل البلد ومستقبله، واذا كانت إرادة الذهاب الى أسوأ الخيارات هي الغالبة والمتغلبة عند اللبنانيين على إرادة المصلحة الوطنية والسلم الاجتماعي، فذلك خيار النهاية.