هل دفعت العراق للتأهب ؟
الإختلالات الأمنية في سوريا
صباح زنكنة
ما عاد الحديث عن المؤامرات الخارجية مجرد لغو مجالس أو أراجيف يتناقلها المتكاسلون على مقاعد المقاهي والكافيهات، فالمشهد اليوم في سوريا لا يشي فقط باحتقان داخلي أو اضطراب عابر لا اثر عليه ، بل ثمة تكتلات عشائرية وتحركات دولية مريبة تُنسج خيوطها في الظل، لتُعيد خلط الأوراق الطائفية والعرقية في بلاد الشام، وتُجهّز الأرضية لما يشبه إعادة تفجير التاريخ مجددا . المقلق في الأمر – ولا نقول ذلك تهويلاً – أن السيناريوهات المتداولة لا تتحدث عن استهداف لمكون سوري واحد، بل تبدأ من الدروز، وتمر بالعلويين، ثم تتجه صوب قوات سوريا الديمقراطية وصولاً إلى الكرد.
خرائط اشتباك
هذه ليست روايات كُتّاب الخيال السياسي، بل خرائط اشتباك محتملة ترسمها العقول الأمنية الكبرى، وتُدار على طاولات الصفقات الخفية والمؤامرات التي تتطور بوجه دبلوماسي مبتسم .
فإن اشتعلت نار الفتنة هناك، فلامحال الرماد سيهبّ سريعاً على العراق ، ومن يقرأ الجغرافيا السياسية يدرك أن حريق الشام لا يتوقف عند حدوده، بل يجد طريقه ممهداً نحو نينوى والأنبار ومدن أخرى ربما أبعد من ذلك.
ولهذا،لا وقت للانتظار أو الانشغال بالتفاصيل الهامشية. إنها لحظة الوعي والإدراك والمسؤولية، لحظة أن نُدير أزمات الجوار لا أن تجرّنا إلى أتونها ونقع في الفخ .
ولهذا على العراق أخذ الحيطة والحذر ومراعات الكثير من تفاصيل
أولًا: ترصين جبهة الداخل قبل جبهات الحدود
إذ لا يمكن لدولة أن تصمد أمام الأخطار المحدقة إن كانت بنيتها الداخلية رخوة ومتهالكة بسبب خلافات الهوية والمذهب والانتماء، وما نحتاجه اليه اليوم هو تحصين الداخل العراقي بوحدة وطنية صلبة، لا شعارات عابرة وعلى كل القوى أن تتجاوز منطق المزايدة والمساومة والرقص على جراحات الآخرين ، بل الجلوس على طاولة توافق وطني تُعيد فيها بناء الثقة، وتوحّد الخطاب، وتُعلي راية الدولة على الرايات الفرعية.
ثانيًا: عقيدة أمنية لا تعرف التراخي
فالجيش ليس بعديده وعدته فحسب، بل بعقيدته القتالية، ومرونته في مواجهة حروب الجيل الرابع وما بعدها. والمطلوب اليوم إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية بشكل رصين على أسس الاحترافية، وتدريب وحدات خاصة لمواجهة التهديدات المحدقة ، وتفعيل الاستخبارات والقيام بحملات وقائية تتقصّى الخطر قبل وقوعه، فالعراق لا يملك رفاهية أن يكون ساحة لصراع الآخرين.
ثالثًا: تحرّك دبلوماسي لا انتظار سلبي
يتعين على العراق أن يبادر، لا أن يكتفي بردود الأفعال، عليه أن يخاطب الجوار والعالم، وأن يُبيّن أن استقرار سوريا ليس شأناً سورياً فقط، إنما هو استقرار مشترك، مع ضرورة ترسيخ وبناء تحالفات مصلحية لا عاطفية، وأن يكون صوت التوازن في منطقة لا تعرف الاعتدال.
رابعًا: الاستعداد الاقتصادي والاجتماعي للأزمات المحتملة او المحدقة ، فمعالم الخراب لا تجلبها الدبابات فحسب، بل بالجوع والعوز والفوضى، ولهذا يتعين على الدولة العراقية أن تكون لديها خطط طوارئ اقتصادية واجتماعية متكاملة، تحفظ كرامة المواطن، وتمنع انزلاقه في هوة السخط والفوضى والنهايات المعتمة.
رهان حقيقي
فالتاريخ لا ينتظر المترددين، ولا يرحم الغافلين ،فإن لم يكن العراق مستعداً اليوم، فالغد قد لا يُمنحه له فرصة أخرى، وإن الرهان الحقيقي ليس على الأجهزة والمعدات فقط، بل على العقل الجمعي، والقيادة الواعية، والقرار السيادي الذي يُدرك أن زمن الارتجال قد ولى.
السؤال الذي يُطرح الآن: هل يستعد القادة العراقيون لهذه المخاطر كما يجب… أم سيُفاجَأ الجميع بعد فوات الأوان ؟
كاتب وباحث متخصص في العمليات النفسية ، رئيس مركز خبراء الدراسات الاستراتيجية