الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قبل أن ينطفئ وجه آخر

بواسطة azzaman

قبل أن ينطفئ وجه آخر

اميمة ابراهيم السامرائي

 

بدون وداع اخير ولا تفسير واضح ومنطقي يجد (ابو حسن) نفسه امام ابنه ذو الثمانية عشر عاما وهو يرقد بصمت ابدي ناهيا حياته بيديه مع قصاصة بخط مرتبك «بعد ما اتحمل .. الحياة خذلتني». هذا الخبر لم يعد يصدمنا او يدهشنا بعد ان تعودنا على قصص متكررة ونهايات متشابهة لشاب اغرق نفسه او شابة قفزت من فوق الجسر لأسباب كثيرة قد تبدو منطقية لمن هم من فئة الشباب , لكنها لا تليق بمن يحمل صفة المسؤولية... لحظة.. من هو المسؤول ؟!

الانتحار لم يعد رقماً عابراً في نشرات الأخبار بل اصبح طقسا موسميا كحر العراق ..في تصاعد مستمر,    فبحسب تقرير لوزارة الداخلية العراقية لعام 2024 تم تسجيل أكثر من 600  حالة انتحار معظمها بين فئة الشباب من 15 إلى 25 عاما تتصدرها محافظات  ذي قار، بغداد، والبصرة، بينما تهمس مصادر طبية أن العدد الحقيقي أعلى بكثير ولكنها تسجل تحت.. قضاء وقدر. ووراء ستار الانتحار هناك اسباب مختلفة تدفع شبابا بعمر الزهور الى مغادرة مسرح الحياة مبكرا , مؤخرا اصبح ضغط الدراسة ونتائج الامتحانات الوزارية ( خصوصا السادس الإعدادي) من الأسباب الرئيسة التي تدفع بعض الطلبة إلى حافة الانهيار, لا يواجه فيه طالب السادس الإعدادي امتحانا فقط  بل يخضع لحصار نفسي وعائلي يجعل الامتحان حكما مؤجلا بالإعدام. ويشير د. مؤيد الخفاجي (أخصائي الطب النفسي في بغداد), إلى أن النظام التعليمي القائم على الحفظ والرهان على الامتحانات النهائية يخلق «بيئة انتحارية بامتياز». ولا يكاد طلبتنا يتنفسون الصعداء حتى يتحول الحلم الجامعي إلى كابوس يقظة, وترسم البطالة سيناريوهات الانتحار من جديد لا على الورق، بل على العقول والأجساد التي انهكها طابور انتظار لا ينتهي ووسط وعود جوفاء وسوق عمل خال من الفرص ...عندها لا تعود الحياة خيارا مغريا.

وفي ظل هذه المآسي وفي مجتمع يحرم الانتحار دينيا ، يجد الشاب نفسه محاًصرا بين عار الفشل، وجهل الاسرة وعدم فهمها , حيث تترجم صمته المريب الى دلال وعزلته الغريبة الى مزاج مراهق ولا يؤخذ الحديث عن الاكتئاب بجدية والعلاج النفسي عار لا ضرورة, بل واكثر يُقابل بالاستهزاء (شدّ حيلك)  ، (عيب تحچي هيج انت رجال)  وهكذا، وبدل أن يكون البيت حضنا دافئا، يصبح قاعة محكمة. كما نجد ان هناك غياب واضح لدور رجال الدين فلا يكفي تحريم الفعل شرعا ورمي الضحية في زاوية (الحساب في الآخرة)، بينما كان من الممكن إنقاذها في الدنيا لو اصغت لها تلك المنابر بدل اعداد قوالب جاهزة. ثم اين دور الدولة التي تتعامل مع الانتحار مثل أي ازمة (تطمينات لا تطمئن).

ما ورد من اسباب هي ليست تبريرا للانتحار , لكنها دعوة لفهم ابنائنا لأن من يختار الموت طوعاً، هو ليس بخير. نحن نشيّعهم بصمت ثم ندفن اسئلة الندم معهم ماذا لو تحدث؟ ماذا لو أصغينا؟ ماذا لو أنقذته كلمة أو حضن أو علاج؟ يجب ان نفهم ان الانتحار ليس قرارا مفاجئا... بل نتيجة نهائية لأزمة تتجسد مرة على هيئة ورقة امتحان، وأخرى على هيئة استمارة تعيين تتحول الى جدران من الفولاذ بوجه احلام ابنائنا. حان الوقت لإجراءات واقعية لا بيانات إنشائية فقط , حملات إعلامية واعية مناهج تعلمنا كيف نخلق الفرص لمستقبلنا لا فقط ماذا نحفظ، رجال دين بمقاربة إنسانية، لا فقط وعظية، أسر تستمع قبل أن تحكم، مدارس وجامعات تعلمنا كيف نواجه خساراتنا  دون أن نخسر أنفسنا. قد لا نمنع كل محاولات الانتحار، لكننا على الأقل سنكون قد حاولنا إنقاذ من يمكن إنقاذه قبل أن يُطفأ النور في وجه آخر ونكتفي مجددا بالقول: (الله يرحمه... چان خوش شاب ).

 

 

 


مشاهدات 50
الكاتب اميمة ابراهيم السامرائي
أضيف 2025/06/30 - 3:35 PM
آخر تحديث 2025/07/01 - 5:22 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 132 الشهر 132 الكلي 11153744
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/7/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير