ان ما يعيشه الشعب العراقي في الوقت الحاضر من أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية لا يمكن فهمه دون مراجعة لحياته خلال ما يقرب من قرن من الزمان على أقل تقدير.
لقد أصاب الملك فيصل الأول في وصفه للشعب العراقي، الذي أنكر عليه ذلك الوصف، بأنه “مجموعة من الكتل البشرية’ تجمع كل كتلة فيه عناصر معينة. ويبدو ان ذلك الوصف ما يزال يعيش اليوم، وبقوة.
لقد تمثلت تلك الكتل البشرية في:
– قبائل وعشائر عرقية واثنية
– مرجعيات دينية
– احزاب سياسية لم تتخلص كلياً من مشاعر الانتماءات القبلية والدينية
– ملاك وأغنياء يقابلهم معدمون وفقراء
– تجار كبار وكسبة صغار
– مهيمنين ومهمشين
– متعلمين وأميين
وربما اعترض البعض على حكاية تشريح الشعب الى مثل هكذا كتل بدعوى ان كل شعوب العالم انما يمكن تقسيمها الى طبقات وشرائح، وبالتالي بمكن وصفها بشعوب كتل بشرية. هذا صحيح، لكن الفارق الكبير هو طغيان شعور الانتماء الكتلي على الوطني في العراق، وبالتالي صعوبة تشكل كتلة وطنية جامعة. فالشيعي يتهم السلطة بسنيتها عندما يكون صاحب السلطة سني، والعكس بالعكس صحيح، وهكذا هو الحال مع العربي والكردي، والمسلم والمسيحي، والموصلي والانباري، لا بل والجبوري والعبيدي، وحتى في داخل تشكيلات الحزب السياسي الواحد.
ان ما ساعد على بقاء تلك الانتماءات الكتلية هو الاحساس بضرورة حماية الكتلة للفرد الواحد، وحسابات السياسة في كسب ولاءات الكتل، لا سيما وان سلطتها لا تقوم الا على احتكار ثروة البلاد ذات الاقتصاد الريعي.
هذه العلاقة الجدلية بين قوة الكتلة الاجتماعية قد عززتها في العراق الفيدرالي المشوه، الديمقراطية التابعة للكتل البشرية القبائلية والعرقية والدينية والطائفية، والتي لا علاقة لها البتة بالمجتمعات المدنية او العلمانية، لا بل انها مجتمعات متخلفة في تبعيتها العرقية والطائفية والمناطقية، تحكمها علاقات القوة وقوانين الغابة.
انه حال القوى الاجتماعية السياسية التي تعيش على الاستحواذ على ثروات البلاد وايراداته الريعية، والتي كانت قد اعتاشت واستثرت سابقاً كذلك، على علاقات التبعية للحاكمية العثمانية والبريطانية والملكية، وأضحت تعيد انتاج علاقات الهيمنة والاستغلال للشرائح والطبقات التي لا تتمثل بها عناصر قوى الهيمنة.
نخلص مما تقدم الى ان العراق الحديث بعيد جداً عن ماضيه الحضاري وقوته الحامية من آشورية وبابلية وعباسية، وبقي منذ الهيمنة العثمانية بعيش حالة ولايات تابعة خانعة، تشظت بعد انحسار تلك الهيمنة الى كتل بشرية غير متجانسة تماماً.
وفي الختام نقول:
ان الشعب العراقي، في واقعه الحالي، بحاجة الى هزات أرضية لكي تساعده على اعادة بناء أسس عماراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكي يصير شعباً متجانساً في شعور انتمائه الوطني. الله يستر!