الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تأملات‭ ‬في‭ ‬تواريخ

بواسطة azzaman

تأملات‭ ‬في‭ ‬تواريخ

نزار محمود

 

ان‭ ‬ما‭ ‬يعيشه‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر‭ ‬من‭ ‬أوضاع‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وثقافية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فهمه‭ ‬دون‭ ‬مراجعة‭ ‬لحياته‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تقدير‭.‬

لقد‭ ‬أصاب‭ ‬الملك‭ ‬فيصل‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬وصفه‭ ‬للشعب‭ ‬العراقي،‭ ‬الذي‭ ‬أنكر‭ ‬عليه‭ ‬ذلك‭ ‬الوصف،‭ ‬بأنه‭ ‬“مجموعة‭ ‬من‭ ‬الكتل‭ ‬البشرية’‭ ‬تجمع‭ ‬كل‭ ‬كتلة‭ ‬فيه‭ ‬عناصر‭ ‬معينة‭. ‬ويبدو‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬الوصف‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬يعيش‭ ‬اليوم،‭ ‬وبقوة‭.‬

لقد‭ ‬تمثلت‭ ‬تلك‭ ‬الكتل‭ ‬البشرية‭ ‬في‭:‬

‭ – ‬قبائل‭ ‬وعشائر‭ ‬عرقية‭ ‬واثنية

‭ – ‬مرجعيات‭ ‬دينية

‭ – ‬احزاب‭ ‬سياسية‭ ‬لم‭ ‬تتخلص‭ ‬كلياً‭ ‬من‭ ‬مشاعر‭ ‬الانتماءات‭ ‬القبلية‭ ‬والدينية

‭ – ‬ملاك‭ ‬وأغنياء‭ ‬يقابلهم‭ ‬معدمون‭ ‬وفقراء

‭ – ‬تجار‭ ‬كبار‭ ‬وكسبة‭ ‬صغار

‭ – ‬مهيمنين‭ ‬ومهمشين

‭ – ‬متعلمين‭ ‬وأميين

وربما‭ ‬اعترض‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬حكاية‭ ‬تشريح‭  ‬الشعب‭ ‬الى‭ ‬مثل‭ ‬هكذا‭ ‬كتل‭ ‬بدعوى‭ ‬ان‭ ‬كل‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬انما‭ ‬يمكن‭ ‬تقسيمها‭ ‬الى‭ ‬طبقات‭ ‬وشرائح،‭ ‬وبالتالي‭ ‬بمكن‭ ‬وصفها‭ ‬بشعوب‭ ‬كتل‭ ‬بشرية‭. ‬هذا‭ ‬صحيح،‭ ‬لكن‭ ‬الفارق‭ ‬الكبير‭ ‬هو‭ ‬طغيان‭ ‬شعور‭ ‬الانتماء‭ ‬الكتلي‭ ‬على‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وبالتالي‭ ‬صعوبة‭ ‬تشكل‭ ‬كتلة‭ ‬وطنية‭ ‬جامعة‭. ‬فالشيعي‭ ‬يتهم‭ ‬السلطة‭ ‬بسنيتها‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬صاحب‭ ‬السلطة‭ ‬سني،‭ ‬والعكس‭ ‬بالعكس‭ ‬صحيح،‭ ‬وهكذا‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬العربي‭ ‬والكردي،‭ ‬والمسلم‭ ‬والمسيحي،‭ ‬والموصلي‭ ‬والانباري،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬والجبوري‭ ‬والعبيدي،‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬تشكيلات‭ ‬الحزب‭ ‬السياسي‭ ‬الواحد‭.‬

ان‭ ‬ما‭ ‬ساعد‭ ‬على‭ ‬بقاء‭ ‬تلك‭ ‬الانتماءات‭ ‬الكتلية‭ ‬هو‭ ‬الاحساس‭ ‬بضرورة‭ ‬حماية‭ ‬الكتلة‭ ‬للفرد‭ ‬الواحد،‭ ‬وحسابات‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬كسب‭ ‬ولاءات‭ ‬الكتل،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬وان‭ ‬سلطتها‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬الا‭ ‬على‭ ‬احتكار‭ ‬ثروة‭ ‬البلاد‭  ‬ذات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الريعي‭.‬

هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬الجدلية‭ ‬بين‭ ‬قوة‭ ‬الكتلة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬قد‭ ‬عززتها‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬الفيدرالي‭ ‬المشوه،‭ ‬الديمقراطية‭ ‬التابعة‭ ‬للكتل‭ ‬البشرية‭ ‬القبائلية‭ ‬والعرقية‭ ‬والدينية‭ ‬والطائفية،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬البتة‭ ‬بالمجتمعات‭ ‬المدنية‭ ‬او‭ ‬العلمانية،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬انها‭ ‬مجتمعات‭ ‬متخلفة‭ ‬في‭ ‬تبعيتها‭ ‬العرقية‭ ‬والطائفية‭ ‬والمناطقية،‭ ‬تحكمها‭ ‬علاقات‭ ‬القوة‭ ‬وقوانين‭ ‬الغابة‭.‬

انه‭ ‬حال‭ ‬القوى‭ ‬الاجتماعية‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬على‭ ‬الاستحواذ‭ ‬على‭ ‬ثروات‭ ‬البلاد‭ ‬وايراداته‭ ‬الريعية،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬اعتاشت‭ ‬واستثرت‭ ‬سابقاً‭ ‬كذلك،‭ ‬على‭ ‬علاقات‭ ‬التبعية‭ ‬للحاكمية‭ ‬العثمانية‭ ‬والبريطانية‭ ‬والملكية،‭ ‬وأضحت‭ ‬تعيد‭ ‬انتاج‭ ‬علاقات‭ ‬الهيمنة‭ ‬والاستغلال‭ ‬للشرائح‭ ‬والطبقات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتمثل‭ ‬بها‭ ‬عناصر‭ ‬قوى‭ ‬الهيمنة‭.‬

نخلص‭ ‬مما‭ ‬تقدم‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬العراق‭ ‬الحديث‭ ‬بعيد‭ ‬جداً‭ ‬عن‭ ‬ماضيه‭ ‬الحضاري‭ ‬وقوته‭ ‬الحامية‭ ‬من‭ ‬آشورية‭ ‬وبابلية‭ ‬وعباسية،‭ ‬وبقي‭ ‬منذ‭ ‬الهيمنة‭ ‬العثمانية‭ ‬بعيش‭ ‬حالة‭ ‬ولايات‭ ‬تابعة‭ ‬خانعة،‭ ‬تشظت‭ ‬بعد‭ ‬انحسار‭ ‬تلك‭ ‬الهيمنة‭ ‬الى‭ ‬كتل‭ ‬بشرية‭ ‬غير‭ ‬متجانسة‭ ‬تماماً‭.‬

وفي‭ ‬الختام‭ ‬نقول‭:‬

ان‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي،‭ ‬في‭ ‬واقعه‭ ‬الحالي،‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬هزات‭ ‬أرضية‭ ‬لكي‭ ‬تساعده‭ ‬على‭ ‬اعادة‭ ‬بناء‭ ‬أسس‭ ‬عماراته‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬لكي‭ ‬يصير‭ ‬شعباً‭ ‬متجانساً‭ ‬في‭ ‬شعور‭ ‬انتمائه‭ ‬الوطني‭. ‬الله‭ ‬يستر‭!‬


مشاهدات 57
الكاتب نزار محمود
أضيف 2025/06/20 - 10:33 PM
آخر تحديث 2025/06/21 - 2:52 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 93 الشهر 13180 الكلي 11147834
الوقت الآن
السبت 2025/6/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير