الانتخابات والمناصب: هل يهدد الاستغلال الاستحقاق؟
وفاء الفتلاوي
في الوقت الذي تقترب فيه البلاد من استحقاق انتخابي مفصلي تتزايد المخاوف من تفشي ظاهرة استغلال المناصب الحكومية كادوات نفوذ انتخابية تهدد بنسف مبادئ العدالة وتكافؤ الفرص فبدلا من ان تكون الوظيفة العامة اداة لخدمة المواطن تتحول في بعض الحالات الى وسيلة لتعزيز نفوذ سياسي او كسب اصوات على حساب القانون والنزاهة بالتالي هذه الممارسات لا تضر فقط بنزاهة الانتخابات بل تضعف ثقة المواطن بمؤسسات الدولة وتؤسس لطبقة سياسية تعيد إنتاج نفسها عبر المال والنفوذ لا عبر الكفاءة والارادة الشعبية.
ففي كل موسم انتخابي تعلو الأصوات محذرة من استغلال المال العام لاغراض حزبية او انتخابية بينما تبقى المحاسبة غائبة اما لعدم قدرة الجهات الرقابية على كشف التجاوزات أو بسبب الطرق الملتوية التي تمارس بها وإن كشف بعضها تطلق الجيوش الإلكترونية للتشويه والتهديد حتى تصل الأمور إلى النيل من الأعراض إن اقتضى الأمر وهذا الاستغلال لا يهدد نزاهة الانتخابات فحسب بل يضرب في صميم فكرة الدولة العادلة التي ينبغي أن تحكم بالقانون لا بالنفوذ.
ومن بين صور الاستغلال التي تتكرر مع كل استحقاق انتخابي تبرز (البرامج الوهمية) التي تطلق تحت عناوين خدمية وتنموية لكنها لا تتجاوز حدود الشعارات اذ تستخدم كادوات ترويج للمرشحين داخل مؤسسات الدولة نفسها وغالباً ما يروج لهذه البرامج في الأحياء الفقيرة والمحرومة حيث يتم استغلال حاجة السكان لخلق وهم التغيير بينما الواقع لا يشهد سوى وعود موسمية سرعان ما تتبخر بعد يوم الاقتراع.
ولا يتوقف هذا الاستغلال عند المال العام أو البرامج الوهمية فحسب بل يمتد إلى مفاصل الدولة الإدارية ذاتها حيث تشهد بعض الوزارات والهيئات موجات مفاجئة من التنقلات وتغيير المناصب مع قرب الانتخابات وهي خطوات أشار إليها بعض السياسيين بوصفها تحركات "غير بريئة" تعزز نفوذ جهات سياسية معينة ما يدفع للتساؤل: هل نحن أمام ضرورة تنظيمية ام اعادة تموضع لخدمة اجندات انتخابية؟.
وفي سياق متصل يبرز تأثير بعض الأحزاب السياسية في مجريات العملية الانتخابية حيث نجد أن بعض موظفي الدولة أنفسهم في مفترق طرق بين أداء الواجب الوطني والرضوخ لضغوط حزبية وهذا التداخل بين الانتماء المهني والانتماء السياسي يثير تساؤلات جدية حول استقلالية الخدمة العامة ومصير الحياد الوظيفي ناهيك عن تحول بعض الدوائر الحكومية في مواسم الانتخابات إلى أدوات ضغط انتخابي بدلاً من كونها مؤسسات خدمية فما بين الوعود الوظيفية والتنقلات الإدارية المريبة تضيع مصلحة المواطن تحت حسابات الربح السياسي وهذا ما أكده به مراقبون في الساحة السياسية.
ولا يتوقف الأمر عند الوظيفة العامة والتنقلات الادارية بل يمتد إلى الوعود بالتعيينات المؤقتة (عقود) التي تطلق بالتزامن مع الحملات الانتخابية ما بات يثير الريبة خصوصاً مع غياب الشفافية والعدالة في الاختيار كما يزداد القلق مع ظهور حالات يتهم فيها بعض المرشحين باستغلال حاجة المواطنين من خلال تسجيل اسمائهم في برامج الرعاية الاجتماعية مقابل وعود انتخابية وهو ما يفتح باباً للتشكيك في نزاهة المنافسة وعدالة الوصول إلى المنافع العامة.
ومع احتدام المنافسة السياسية لا يغيب دور الإعلام الحكومي الذي يؤدي واجبه في نقل أخبار الدولة ومواقفها أصبح في مرمى الانتقادات حيث يراه البعض صوت الدولة ومظلتها بينما يتهمه آخرون بالتحول إلى بوق انتخابي يدعم طرفاً دون آخر مما يعمق من حالة عدم الثقة بين المواطنين ويزيد من تعقيد المشهد الانتخابي.
وفي ظل هذه الظروف والتحديات التي تواجه العملية الانتخابية، يطرح سؤال مهم: هل تكفي الرقابة الحالية لمنع تسخير الوزارات للحملات الانتخابية؟ وهل يمكن إبعاد شبح الوعود الفارغة عن الطبقات الهشة التي أصبحت أكثر وعياً بالطرق الملتوية التي يلجأ إليها بعض المرشحين لحصد الأصوات؟..
هذه الأسئلة تبرز الحاجة الملحة لتعزيز اليات الرقابة والمحاسبة الصارمة ليس فقط على مستوى المؤسسات الحكومية بل أيضاً عبر اشراك المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة اذ ان شفافية الانتخابات ونزاهتها تعتمد بشكل كبير على وعي الناخبين وفاعلية الجهات الرقابية خاصة في بيئة سياسية يعمها التوتر وصراعات النفوذ ومن دون اجراءات صارمة وحقيقية يبقى احتمال استغلال المناصب والموارد الحكومية قائماً ما يهدد جوهر الديمقراطية ويؤثر سلباً على ثقة المواطنين بالمستقبل السياسي للبلاد.
واخيراً فالحذر مطلوب من الجميع سواء من الناخبين أو الجهات المسؤولة لضمان الا تتحول الانتخابات الى مجرد مسرح للنفوذ والمصالح الضيقة، فالمشاركة الواعية والمراقبة الحقيقية هما السلاحان الوحيدان للحفاظ على نزاهة العملية الانتخابية وصون الديمقراطية الفتية في العراق لأن مستقبل البلاد في ظل الصراعات المحتدمة في المنطقة لا يحتمل التراجع أو التلاعب.