الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مفاوضات واشنطن وطهران..  تحليل إستراتيجي لمسار الأزمات والفرص

بواسطة azzaman

مفاوضات واشنطن وطهران..  تحليل إستراتيجي لمسار الأزمات والفرص

زيد البيدر

 

نتيجةً للمتغيرات المتسارعة في الشرق الأوسط، واقترانها بتولي ترامب السلطة في الولايات المتحدة، عاد الاهتمام بإحياء ملف المفاوضات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، التي انطلقت أولى جولاتها في مسقط يوم 12 نيسان 2025، تبادل فيها الطرفان الأمريكي والإيراني الرسائل عبر الوسيط العُماني، وتضمنت محاورها حرص الجانبين على التوصل لاتفاقٍ يلبي مطالبهم دون الدخول في تفاصيل جانبية، وعُقدت لاحقًا جولتان: الأولى في مقر السفارة العُمانية بروما، والثانية في العاصمة مسقط، وكان من المقرر ان تستضيف العاصمة مسقط الجولة الرابعة من المفاوضات في 3 ايار، لكنها تأجلت قبل انعقادها بايام قليلة، لاسباب لوجستية وفنية حسب ما اعلن وزير الخارجية الايراني، وتزامن انعقاد المفاوضات مع تحشيد عسكري أمريكي كبير في المنطقة، فسره المراقبون كاستعدادٍ لضربة عسكرية ضد إيران في حال فشلت الدبلوماسية في صياغة اتفاقية تحقق مصالح الطرفين

الانطباع الأول عن نتائج المفاوضات كان إيجابيًا، وهو ما لمسناه في تصريحات وفدي التفاوض، فوفد إيران المشارك عبر عن تفاؤلٍ وصفه بالحذر، بينما أعلنت الولايات المتحدة عبر مسؤول في وزارة خارجيتها أن الجانبين حققا تقدُّمًا ملحوظًا، ورغم الحديث عن إمكانية توسيع المطالب الأمريكية لتشمل ملفات اخرى مثل “أذرع إيران الإقليمية” وبرنامجها الصاروخي، إلا أن مصادر عدة أكدت اقتصار المفاوضات على البرنامج النووي، وهو ما شددت عليه إيران أيضًا، مشيرةً إلى عدم مساس المفاوضات بخطوطها الحمراء كتفكيك البرنامج أو وقف التخصيب

صانع القرار

وهناك مجموعة من البراهين تدفع باتجاه تبني فرضية فحواها استحالة اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية على الأدوات العسكرية لتحقيق الأهداف الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني، وأهمها إدراك صانع القرار الأمريكي أن الضربات العسكرية لا يمكن أن تكون كفيلة بتدمير البرنامج النووي الإيراني أو ربما حتى إحداث أضرار كبيرة فيه، فضلًا عن حرص إدارة الرئيس ترامب على تجنب استخدام القوة في العلاقات الخارجية، والتركيز على تحسين الواقع الاقتصادي للبلاد، وهو ما لمسناه في عدة مواقف أمريكية من قضايا دولية وإقليمية تتعلق بتبنيها إنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية، فضلًا عن تعهدها بإيقاف العدوان الإسرائيلي على غزة، والإعلان عن إجراءات في قضايا أخرى تتعلق بخفض الوجود العسكري الأمريكي في سوريا ومناطق أخرى في المستقبل القريب، وكذلك الحال فيما يتعلق بإيران، فإنها مثقلة بأزمة اقتصادية نتيجة للعقوبات الأمريكية التي فرضتها إدارة بايدن وعززتها إدارة ترامب فيما بعد، من خلال وضع حزمة إضافية من العقوبات جعلتها تواجه صعوبة كبيرة في تصدير الطاقة.

 الذي يعد بمثابة شريان الاقتصاد الإيراني، بالإضافة إلى عقوبات أخرى طالت قطاعات المصارف والمعادن والطيران والنقل، والتي تسببت برفع معدلات التضخم وانكماش الناتج المحلي، فضلًا عن ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وهو ما يجعل إيران مستعدة لتقديم تنازلات تتعلق ببرنامجها النووي.

 تجنبًا لخطر الحرب وإبعاد شبح الفوضى الداخلية عنها نتيجة تصاعد الغضب الشعبي وزيادة الضغط الداخلي على الحكومة بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، فضلًا عن الجانب الأمني الذي يشكل أبرز عوامل فرص إنجاح المفاوضات، إذ دفعت الضرورات الأمنية طرفي التفاوض نحو الحوار لتفادي الحرب المباشرة التي ستكون آثارها كبيرة على الجانبين، ومما سبق يؤكد ان المفاوضات تسير نحو اتفاق تقلل إيران بموجبه نسبة تخصيب اليوانيوم من 60 ٪ إلى 3 % فضلا عن تقليل عدد أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليوانيوم من 8000 إلى 5000 وكمية اليورانيوم المخصب من 2.5 كيلو غرام إلى 300 غرام، والاتفاق على نقل اليوانيوم المخصب بنسب عالية الى طرف ثالث.

جولات لاحقة

أبرز التحديات التي تواجه المفاوضات  رغم التفاؤل الذي رافق المفاوضات الأمريكية – الإيرانية، إلا أن الطريق نحو الاتفاق ما زال طويلًا ومليئًا بالكثير من التحديات التي ربما تبدأ بالظهور في الجولات اللاحقة، نظرًا لتضارب التصريحات الأمريكية حول المصير النهائي للبرنامج النووي الإيراني، إذ يمكن أن لا تكتفي المطالب بتقييد تخصيب اليورانيوم داخل إيران، ويكون هدفها هو التدمير النهائي للبرنامج النووي الإيراني وفق النموذج الليبي، ويمكن أن تتضمن المطالب الأمريكية إيقاف عمليات التخصيب داخل الأراضي الإيرانية، وهو ما ترفضه إيران. وهناك تحدي آخر يكمن في الضمانات؛ فالجانب الأمريكي يطالب بضمانات مادية تمنع إيران من إنتاج سلاح نووي، في حين تريد إيران في المقابل ضمانات واضحة بعدم تنصل الإدارة الأمريكية مجددًا من الاتفاق، ويمكن أن يمثل البرنامج الصاروخي الإيراني التحدي الأبرز الذي ينهي آمال التوصل للاتفاق.

 في حال أصر الجانب الأمريكي على جعله من ضمن المطالب، فضلًا عن التحدي الإسرائيلي الذي يحاول دفع الأحداث نحو الحرب من خلال الضغط على واشنطن لمساعدته في توجيه ضربة عسكرية ضد إيران.ومن خلال التحديات والفرص ربما تكون فرضية التوصل الى اتفاق نووي تتحقق بموجبه التطمينات الامنية للطرفين، افضل من اتباع خيارات تقوم على اولوية استخدام القوة العسكرية تجعل من الطرفين عرضة لتحمل خسائر فادحة.

استاذ بكلية العلوم السياسية


مشاهدات 25
الكاتب زيد البيدر
أضيف 2025/05/04 - 3:18 PM
آخر تحديث 2025/05/05 - 7:08 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 397 الشهر 5190 الكلي 10999194
الوقت الآن
الإثنين 2025/5/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير